الأتراك في مدينة صفاقس

.

شهدت البلاد التونسية في القرن 16 اضطرابات عديدة نتيجة ضعف الدولة الحفصية و تطور القرصنة بالبحر المتوسط و خاصة الصراع الاسباني العثماني فقد كان هذان الأخيران يريدان السيطرة على بلدان المغرب العربي الضعيفة. وقد تمكن خير الدين بربروس الموالي للدولة العثمانية من السيطرة على تونس سنة 1534. إلا أن تونس أصبحت اسبانية بعد صراعات عديدة و لم ترجع نهائيا للعثمانيين إلا سنة 1574 على يد سنان باشا. و بالتالي صارت تونس ولاية عثمانية إلى سنة 1881.

بدأ الأتراك حكم تونس بواسطة باشا يرأس ديوانا و جيشا تركيا يحمي البلاد. إلا أن ذلك لم يدم طويلا وانتقل الحكم إلى الدايات ثم البايات المراديين و بداية من سنة 1705 حكمت العائلة الحسينية تونس.

شعار الدولة الحسينية
شعار الدولة الحسينية

مدينة صفاقس تحت حكم الأتراك
كانت مدينة صفاقس في بدايات الحكم العثماني تابعة لطرابلس منذ سنة 1564 عندما كان درغوث باشا واليا على طرابلس, رجعت صفاقس لسيطرة تونس سنة 1586 و في سنة 1587 عادت للخضوع لطرابلس ثم عادت نهائيا لتونس سنة 1593.

و كان الجنود الأتراك يأتون صفاقس من تونس ويتناوبون على حمايتها و تدعى الحماية التركية “الطائفة التركية” و كان الجيش يقوم بحماية البلاد بالتناوب لذلك سمي الجنود بالنوباجية و رئيسهم يسمى آغة النوباجية و تدوم النوبة ستة أشهر. و قد أشار ليون الإفريقي إلى وجود بين 300 و 400 عائلة يسكنون المدينة في تلك الفترة.

تتكون الإدارة التركية في صفاقس من آغة النوبة و آغا الحصار و القائد و القاضي و المقدمون و الذين ينوبون القائد في الحارات و كانت الاجتماعات المهمة تعقد في الجامع الكبير و يحضرها الآغة و القائد و القاضي و المقدمون و الأعيان الأتراك و أعيان المدينة و وكلاء الأحباس و الملتزمون للأسواق. و كان قاضي صفاقس يتولى مهمة القضاء بصفاقس و جربة و المنستير و الساحل.

المدرسة الحسينية بصفاقس
المدرسة الحسينية بصفاقس

في العهد المرادي حكم الوالي عطية صفاقس و عرف ببطشه وقد بنى قصرا بثنية منزل شاكر ولذلك عرف هذا الطريق بثنية عطية وقد شهدت مدينة صفاقس فترات من الاستقرار و فترات من الاضطراب تحت حكم البايات المراديين.

بداية من سنة 1705 و مع تقلد الحسين بن علي الحكم عرفت مدينة صفاقس الأمن و الاستقرار فانتعشت التجارة و الفلاحة و أصلحت المباني وقد بنى الحسين بن علي المدرسة الحسينية التي مازالت قائمة إلى اليوم و تعرف بمدرسة الرحبة أو مدرسة نهج العدول و تواصل الاستقرار طوال الفترة الحسينية رغم بعض المشاكل وخاصة الحروب بين صفاقس و مالطا و صفاقس و البندقية وبعض الثورات و الانتفاضات مثل ثورة علي بن غذاهم و ثورة المشري و عسل.

عند الاحتلال الفرنسي لتونس رفضت صفاقس الانصياع لأوامر الباي و قررت المقاومة و أول قرار للمدينة كان إنزال علم الدولة الحسينية و رفع علم الدولة العثمانية ليظهر السكان الولاء للعثمانيين و طوال فترة المقاومة من 2 جويلية إلى 16 جويلية 1881 كان المقاومون ينتظرون بفارغ الصبر قدوم المراكب العثمانية لنجدة السكان ضد المستعمر الفرنسي. كما تم قبل بداية المقاومة اختيار محمد كمون قائدا للعملية العسكرية داخل أسوار المدينة العتيقة و لقب بباي صفاقس. وعند هزيمة المدينة ضد الفرنسيين قام محمد كمون بالهروب لاسطنبول ولم يعد إلى ارض الوطن إلا بعد إعلان العفو على المجاهدين.

الحياة اليومية
كان الأتراك يتبعون المذهب الحنفي على عكس سكان البلاد الذين يتبعون المذهب المالكي ولذلك عند قدومهم لمدينة صفاقس انشؤوا مسجدا بسوق الجمعة يعرف اليوم بجامع الترك. إلا أن عبد الكافي في كتابه تاريخ صفاقس قال أن الأتراك انصهروا بسرعة في المجتمع الصفاقسي و غيروا مذهبهم من الحنفي إلى المالكي.

كما كان نهج الباي أو نهج المنجي سليم يعرف قديما بسوق الترك و يمكن أن يرجع ذلك إلى وجود بعض التجار الأتراك علما و أن تجارة صفاقس ازدهرت مع بلدان الشرق مثل الإسكندرية و اسطنبول و المدن التركية الأخرى.

قمت بجرد للكلمات التركية المستعملة في مدينة صفاقس من خلال معجم الكلمات و التقاليد الشعبية بصفاقس وقد وجدت الكلمات التالية: برنجك, بشمق, بقجة, بنجرة, بقراش, بوغاز, تقرمان, تناكة, حانبة, خازوق, صبايحي, فرمان, قنبور كما نجد كلمات تركية أخرى مستعملة مثل بايليك و بيلكو
و من الأكلات المعروفة لليوم في مدينة صفاقس نجد البريك و البقلاوة و الحلقوم.

الحلقوم
الحلقوم

ومن ألقاب العائلات التركية نجد: التركي و حمزة و قارة و قارة يوسف و بن مراد و والي و البرجي و القرمازي.

كانت المهن التركية تنتهي ب “جي” و على هذا المنوال بمكن الحديث عن القهواجي و البنكاجي و النوباجي و المرماجي و السركاجي.

زاهر كمون / موقع تاريخ صفاقس

المصادر
تاريخ صفاقس (الجزء الأول و الثاني) لبوبكر عبد الكافي
مدينة صفاقس عبر التاريخ و من خلال كتب الرحلات للدكتورجمعة شيخة
خلاصة تاريخ تونس لحسن حسني عبد الوهاب
معجم الكلمات و التقاليد الشعبية بصفاقس للدكتور علي الزواري و يوسف الشرفي
الحياة العائلية بجهة صفاقس بين 1875 و 1930 لعبد الواحد المكني
صفاقس و الاحتلال للدكتور رضا القلال

قد يعجبك ايضا