رغم مخاطر الأمراض والأوبئة : “البرباشة” يغزون أكوام النفايات بصفاقس

البرباشة
البرباشة

البرباشة هي طبقة اجتماعية نشأت وتكونت منذ عدة سنوات على محيط مصبات الفضلات المراقبة في البداية لتنتشر بأغلب المصبات الكبيرة بعدد من الولايات.. برز وجودهم أساسا من بين العائلات الفقيرة القاطنة بمحيط المصبات بتونس الكبرى وخاصة بمصب برج شاكير.. يعيشون ويقتاتون من «فرز» فضلات المنازل والمصانع والمحلات التجارية ومنها جاءت مصدر تسميتهم «البرباشة».. ليبيعوا ما يعثرون عليه من الفضلات بعد تنظيفها ورسكلتها وتصليحها كخردة في الأسواق الشعبية.. حتى بات وجودهم حاليا واقعا بولاية صفاقس..

يقدر العدد الجملي للبرباشة حسب الإحصائيات الرسمية بـ8000 آلاف برباش بكامل الجمهورية يشتغلون في تجميع الفضلات من بلاستيك ومن ثياب وقوارير زجاجية وبلاستيكية قصد بيعها وإعادة رسكلتها ولتحصيل لقمة العيش. أما في ولاية صفاقس فلا يمكن حصر عددهم النهائي لكن السلطات الجهوية والمحلية تقدر عددهم بالمئات..

خلال جولتنا بمدينة صفاقس عاينت «الصباح الأسبوعي» العديد من الحالات المزرية التي يعيشها البرباشة وفي تجميع الفضلات لتحصيل لقمة العيش في ظروف قاسية.

الفقر أهم دافع
محمد بن الجيلاني عزديني وزوجته آمال الصغير كانا بطريق المطار.. وكانت عليهما ملامح الضعف والمرض والوهن يفتشان بأياديهما في كومة من الفضلات عما يمكن أن يسدا به رمقيهما ويكسوان به أطفالهما..

محمد كهل من مواليد 1972 أكله الفقر منذ الصغر متزوج وأب لثلاثة أطفال انقطع جلهم عن الدراسة وبقي أصغرهم سنا يدرس في ظروف صعبة جدا، وقال إنه كان يشتغل في قطاع البناء ولما ضاقت به السبل نتيجة تعرضه لحادث شغل في إحدى الحضائر، لم يجد أية وسيلة ليسد بها رمقه وجوعه ووجد أمامه مهنة البرباشة والبحث عن الفضلات في كل شبر لعله يظفر بشيء يمكن أن يصلح للبيع مقابل بعض المليمات القليلة..

محمد وزوجته أكدا أن الفقر والخصاصة جعلهما يتحملان الألم ولا يباليان بالجروح والروائح الكريهة التي تنبعث من الفضلات المختلفة الأشكال والأصناف وقالا إنهما يعلمان بمخاطر ما يمتهنان لكنهما لم يجدا سبيلا آخر لتحصيل لقمة العيش خاصة أنهما جاءا من ولاية القيروان ورحلا عنها منذ سنوات.. وأكدا أن أجرهما اليومي لا يتجاوز خمسة دنانير ويمكن أن يصل إلى العشرة دنانير في بعض الأحيان.

دخلاء
خلال جولتنا بطريق الأفران كم 2 وجدنا كهلا خمسينيا لم يشأ أن يفصح لنا لا على صورته ولا على اسمه بل اكتفى بالقول إنه مواطن تونسي فقير دخل عالم البرباشة منذ سنوات حيث كان يبحث في أحد أكوام القمامة الملقاة بجانب أحد المدارس عن بعض الأشياء التي يمكن بيعها على غرار البلاستيك وبعض الثياب مضيفا أن قطاع البرباشة بدوره أصبح يشهد منافسة شرسة من دخلاء عن الميدان الذين يحاولون عرقلة عملهم وافتكاك ما يتم تحصيله من طرف ضعفاء الحال الذين لا يقدرون على الدفاع عن أنفسهم وما ينتج عنه من شجار، مشيرا إلى أنه يحبذ عمله بعيدا عن المصبات الكبرى ويقتصر عمله على تجميع الفضلات من الأنهج والشوارع الراقية..

الرجل ادعى انه كان من المغضوب عليهم في العهدين البورقيبي والنوفمبري،فحسب قوله، طلب منه أعيان صفاقس أن يعمل واشيا سياسيا لينقل تحركات المواطنين وكل شخص يقوم بعملية تثير الانتباه ولكنه رفض.. حتى تم تشديد الخناق عليه وحرمانه من كل مهنة دخل فيها، ولم يجد سوى مهنة «البرباش» اذ يقوم كل يوم ببيع ما يحصل عليه آخر النهار ليشري ما تيسر للأطفال ولزوجته الذين ينتظرون وجبة عشاء.

مصير البرباشة مجهول وينتظرهم الموت المحتم بسبب تعرضهم للتلوث والروائح السامة في ظل غياب قانون يوفر لهم الحماية الاجتماعية ويحميهم من كل تجاوز وانتهاك لعملهم وحرياتهم..

غياب البعد الأخلاقي
الدكتور والمختص الاجتماعي والنفسي رضا عبد المولى أستاذ التعليم العالي بالجامعة التونسية لاحظ في تصريح لـ«الصباح الأسبوعي» أن الظاهرة تعكس حدود المؤسسات العامة في إدارة المرفق البيئي بما في ذلك جمع ورسكلة النفايات.

وذكر أن التجارب بينت أن الحرص على نظافة البيئة هو أيضا رهين المنفعة التي تجلبها للمواطن. فلولا الربح المتأتي من جمع البلاستيك لغرقت مدننا بالنفايات.

وقال : «هذا لا ينفي وجوب ترشيد وتأطير هذا القطاع من قبل الدولة سواء في المجال الصحي للوقاية من الأمراض أو في ما يتعلق بالتغطية الاجتماعية للعاملين فيه، ولأفراد عائلاتهم…»
وفي نفس السياق أضاف أن قطاع النفايات يمثل مصدر ربح وكذلك مصدر طاقة علاوة على نظافة البيئة. في ما يتعلق بالشعور بالإهانة التي يعيشها العاملون في القطاع فهذا يعكس غياب البعدين الأخلاقي والبيئي فيمجتمعنا الذي كان من المفروض ان يستلهم من مبادئ الإسلام في حب وإثارة الغير واحترام البيئة ويبقى الأمل في الفاعلين الاجتماعيين خاصة في مجالات التربية والثقافة والجمعياتي لرد الاعتبار لهذا القطاع وممثليه.

علي البهلول / الصباح

قد يعجبك ايضا