تاريخ صياغة الحلي (الصياغة) في صفاقس

اشتهر الصفاقسية منذ القديم بإتقانهم للصناعات اليدوية بمختلف أنواعها حتى بدخول الآلات الصناعية منذ فترة الإستعمار. وكانت لكل صنعة وحرفة سوقها الخاص الذي تباع فيه المنتوجات والمصنوعات. إلا أن بعض الصناعات كانت حكرا على اليهود لعل أبرزها صناعة الذهب وصياغة الحلي وكانوا لا يعطون سر عملهم للصفاقسية المسلمين. إلا أن الإرادة الصفاقسية وتظافر الجهود مكنت جيلا كاملا من تعلم الصنعة منذ بدايات القرن العشرين لتتوارث المهنة جيلا بعد جيل إلى يومنا هذا. فكيف تعلم الصفاقسية  صناعة الصياغة؟

هذه القصة ذكرها محمد الحبيب السلامي في كتابه “كان يا مكان في صفاقس”، أن الحاج أحمد السلامي حاور عزيز الفخفاخ ذات يوم وكان هذا الأخير مثقفا وناجحا في امتحان الشهادة الإبتدائية ومستعدا لدخول ميدان التدريس، واقترح عليه أن يحترف صنعة ألا وهي صنعة صياغة الحلي. ضحك عزيز وقال: كيف أدخلها وأسرارها بأيدي اليهود وهم لا يكشفونها لتونسي مسلم؟ قال الحاج أحمد: أنا آتيك بمن يعلمك ويجعلك أكثر كفاءة من اليهود. سافر الحاج أحمد السلامي إلى الإسكندرية وله فيها أهل و معارف وجاء برجل مصري إسمه “فتيحة” شهد له أهل الصياغة  بالمهارة. إكترى الحاج أحمد و عزيز الفخفاخ دار خروف بنهج مكة قرب سيدي الطباع وهناك تعلم عزيز الفخفاخ الصنعة على يد “فتيحة”، حتى شرب الصنعة وتفنن فيها.

ومن هنا أقبل الصفاقسية لتعلم الصنعة من عزيز الفخفاخ وتخرج على يديه جيل كامل من الصيايغية ومن أولهم المختار الفخفاخ الذي كان أول من أدخل آلات متقدمة لصناعة الحلي وذلك سنة 1919، ونذكر كذلك الشادلي الفراتي، عبد الحميد الحكيم و مصطفى عبد الغني. هذا الجيل الأول واصل تعلمه للصنعة بتربصات عديدة في إيطاليا. وتواصل توارث الصنعة في صفاقس إلى يومنا هذا مواكبة التطور الذي شهده القطاع. إلا أن صنعة الحلي التقليدية بدأت تتناقص شيئا فشيئا وبحاجة إلى إحياء جديد وإعادة اعتبار.

* صورة عزيز الفخفاخ من نفس المصدر لمحمد الحبيب السلامي.

_____________________________________________________________

د. وليد العش. موقع تاريخ صفاقس