صفاقس : هل تمسح المحرس دموع التلوث عن ولاية صفاقس ؟

مدينة المحرس
مدينة المحرس

لكل مدينة ما يميزها عن باقي المدن والمعتمديات داخل الأراضي التونسية ولا شك أن لمدينة المحرس الساحلية الكثير من الأشياء التي تنفرد بها عن بقية المدن التونسية.

فمدينة المحرس مدينة عريقة بنيت علي أنقاض مدينة فينيقية قديمة اسمها” اوليس”وبالقرب من مدينة فينيقية ثانية تدعي “يونقة”وقد اعيد بناءها علي يد القائد الأغلبي “علي بن سالم”لتمتد يد أبناءها عبر الزمن ويطلقوا العنان في صياغة معمارها وتهيئتها لتصبح عروس بحر تتصدر في أبهي حلة كحلم بديع يرصع ضفاف البحر الأبيض المتوسط ،هي المحرس اذن وكما يتغزل بها أبناؤها “محروسة وبصنعة رجالها موسومه “وبجذورها الممتدة في التاريخ وبآثارها المتعددة الباقية خير دليل علي عراقة هذه المدينة المميزة والمتميزة وأنت تتجول في شوارعها وبين أزقتها تجول المتعطش للمعرفة وللتاريخ المعانق للحداثة والمعاصرة تري الجامع الكبير مازال يحوي تاريخ إنشائه بين صفحات جدرانه وأركانه المزخرفة بأعمدته الرخامية وقبته الدائرية ومحرابه المثقل بآيات القرآن خطت بيد فنان يتقن الخط العربي الفاطمي حيث أنه شيد سنة 184 هجري فالمحرس تصالحت فيها الشعوب والقبائل والأديان خاصة وأنت تغوص بنظرك في الحجارة المتبقية للكنائس المسيحية حيث تعود بقايا بعض الكنائس إلي القرن الخامس مسيحي إلي جانب المجموعات الأثرية خاصة منها اللوحات الفسيفسائية التي تم نقلها إلي متحف باردوا بعد ان رفعت من كنيسة “صالونيك اليونانية”لتشد الرحال الي الشمال التونسي أين استقرت في متحف باردو والتي يعود الي 114 قبل الميلاد الي جانب جزيرة “الكنائس” التي تقع علي مقربة من البرج البيزنطي بمنطقة “سيدي أحمد عيسة” ومعبد “بونقه” حيث صنفت هذه الجزيرة ضمن المحميات الطبيعية من طرف وزارة الفلاحة لخصوصيتها الطبيعية ولاحتضانها معلم هام يتمثل في أنقاض “دير” مسيحي يعود للقرن الخامس ميلاديا.

المحرس مدينة تتحدث عن نفسها انتاب السرور كل من زارها ورءاها مدينة عامرة بالحياة كثيرة الحركة باعتبارها تربط الجنوب بعاصمته فهي فريدة ومتفردة عن باقي مدن ولاية صفاقس وكذلك المدن التونسية فصارت تعرف بباريس الصغيرة أو كما يحلوا لسكانها أن يسموهاpetit paris) (فالمحرس مدينة مميزة من حيث انفتاحها وانغلاقها في ان واحد فهي منفتحة علي العالم وينتشر أبناءها في كل مكان وأغلبهم يقطنون خارج الوطن وبالتحديد في اوروبا وفي نفس الوقت فهي منغلقة كثيرة العادات والتقاليد التي تتمسك بها ولا تسمح بذوبانها رغم ما نلاحظه من غزو ثقافي في ظل واقع معولم ألغي الحدود وأصبح فيه العالم قرية كونية كما أن بنيتها المعمارية امتزج فيها الطابع العربي الاسلامي مع النمط الغربي الحديث إلا أنها في مضمونها ظلت محافظة علي مميزاتها و أصالتها وهويتها.

رغم صغر مساحتها إلا أنها تأسر عيون زائريها بجمال الخلاق كل مافيها من أبنية ونصب فنية ترامت وتوزعت في أغلب شوارعها وأزقتها المترامية وسط المدينة وحتي الكرنيش الصغير يؤكد بما لا يدع للشك مجال تؤشر لهذه المدينة للدخول إلي عداد المدن السياحية في ولاية أرهقها التلوث وزاد من مأساتها مصنع “السياب” والميناء البحري المكتظ والملوث فكرنيش المحرس تحول إلي متحف في الهواء الطلق حيث ينتصب به أكثر من 70 عمل فني إلي جانب أعمال أخري منتشرة داخل المدينة استطاعت من خلاله المحرس أن تؤسس لثقافة الفنون التشكيلية لتتحول إلي أيقونة بصرية تمتع كل زائر وكل ناظر وعاصمة لنشر الفنون باعتبار أن المحرس تحتضن كل عام “المهرجان الدولي للفنون التشكيلية” وتستضيف ابرز الفنانين من تونس ومن العالم هذا بالإضافة إلي الخدمات الفندقية وقرب المحرس من الطريق السيارة وارتباطها بشبكة السكة الحديدة إلي جانب طموحها لتصبح قطبا سياحيا وتكنولوجيا خاصة بعد تهيئة القسط الأول من المنطقة الصناعية الممتدة علي الطريق رقم عدد1 تم الشروع منذ حوالي الثلاث أسابيع في دراسة القسط الثاني من المنطقة الصناعية الحرة بالمحرس والتي تقدر مساحتها بحوالي 10 هكتارات وهو ثمرة شراكة تونسية ليبية والتي من المنتظر أن توفر للمنطقة والمناطق المجاورة ألاف مواطن الشغل لتجعل من منطقة المحرس “قطبا سياحيا تكنولوجيا”

وتبعا لذلك نستطيع القول بلا مواربة ولا رميا للورود جزافا تبقي معتمديه المحرس نجمة ساطعة مضيئة في سماء ولاية صفاقس سواء أكان ذلك من حيث عراقتها وتاريخها أو من حيث حاضرها المضيء وأنشطتها الثقافي علي غرار إقامة المهرجانات الدولية التي تحتضنها سنويا وأيضا سياحيا باعتبارها قبلة للسياح للاستمتاع بجمالها وخدماتها الفندقية.

بقلم : فاخر بن عبد القادر

موقع تاريخ صفاقس

قد يعجبك ايضا