بروز الدول الصاعدة و بوادر عولمة اقتصادية بديلة .. بقلم جيهان مقني

جهان مقني
جهان مقني

إن التغيرات السريعة التي حدثت نهاية القرن العشرين والتطور المتزايد الذي تعيشه المؤسسات الصناعية في محيطها الاقتصادي بدءا بالتكنولوجيات المعتمدة مثل نظم المعلومات والتقييم والرقابة وصولا إلى سلوك وقيم الأفراد أدى إلى تحولات اقتصادية عميقة مهدت للدخول في طور اقتصادي جديد و بروز توازنات جديدة في إدارة الشأن الاقتصادي في العلاقات الدولية .

إن العالم بصدد التشكل اقتصاديا على أسس مغايرة لمنظومة اقتصاد السوق و التبادل الحر. هذه الأسس تراعي بروز الدول الصاعدة لا فقط كقوة اقتصادية و تجارية عظمى منافسة للدول الصناعية الغربية، بل كقوة تغيير شرعت في إرساء شكل جديد من العولمة الاقتصادية البديلة ترتكز على هياكل و مؤسسات و أدوات سياسية و مالية جديدة تنافس الهياكل الخاضعة لهيمنة الغرب مثل البنك العالمي و صندوق النقد الدولي.

فمنذ انتهاء الحرب الباردة و منذ سقوط الاتحاد السوفياتي مع مطلع الثمانينات تحولت هاتان المؤسستان إلى آلية رئيسية لفرض السياسات الاقتصادية و المالية التي تخدم المصالح الأمريكية و مصالح الدول الغربية الحليفة لها و المسيطرة على عضوية مجالس الإدارة في صلبها. وفي واقع الأمر تنتمي مؤسسة صندوق النقد الدولي و البنك العالمي إلى الأجهزة المتخصصة التابعة للأمم المتحدة للمساهمة في مكافحة الفقر و مساعدة الدول النامية في انجاز برامجها التنموية. و لكن سرعان ما تم الانحراف بمهام هذه المؤسسات و التي أصبحت تجيز لنفسها التدخل في الخيارات الاقتصادية للدول مثل تونس عبر القروض و التمويلات المشروطة مقابل إرساء تدابير تقشفية للضغط على مصاريف الاستهلاك و التسيير و توجيه الاستثمارات لإنعاش القطاعات الإنتاجية.

و بالتالي فان التوجهات و الخيارات الاقتصادية الكبرى لتونس تأثرت بهذه الأجهزة ليتم إقحامها في منظومة العولمة و اقتصاد السوق عبر برنامج “الإصلاحات الهيكلية” الذي يطبق على البلدان التي تمر بأوضاع اقتصادية صعبة. و منذ ذلك الوقت و بالتحديد منذ اتفاق 1976 انخرطت تونس من خلال قانون 1972 للصناعات التصديرية في مرحلة الاقتصاد الليبرالي الموجه لاستقطاب الاستثمارات الخارجية و الانفتاح الاقتصادي و التجاري على المجموعة الأوربية. مما أدى إلى تبعية اقتصادية و هشاشة المنظومة الاقتصادية التونسية التي اكتفت بدور الخزان للعمالة الرخيصة لفائدة أنشطة المناولة.

و أمام هذه الحصيلة الاقتصادية المتردية لتونس يعتبر بروز الدول الصاعدة في خضم التحولات الاقتصادية و التي تعرف ” بمجموعة البريكس”، فرصة تاريخية لتوسيع شراكاتها الخارجية و التخفيف من تبعيتها الخانقة للغرب و ذلك بالاستفادة من التجارب التنموية الناجحة لهذه الدول الصناعية الصاعدة ، ككتلة حديثة العهد نسبيا تضم الاقتصاديات الخمسة الصاعدة: الصين والبرازيل وروسيا والهند وجنوب إفريقيا. ويبدو أن تأسيس هذه المجموعة وحجم تنميتها السريع يزيد من وتيرة التحول التدريجي في التوازن الاقتصادي العالمي من الدول المتقدمة إلى الدول الصاعدة، والاتجاه نحو عالم متعدد الأقطاب لإحداث توازن أمام القوة المطلقة للدول الصناعية.

و استنادا إلى كل هذه المستجدات على الساحة الدولية فان العديد من الاكاديميين يتنبؤون بان الموجة الحالية للعولمة الاقتصادية التي انطلقت بداية الثمانينات بدفع من الولايات المتحدة الأمريكية في طريقها الى الاندثار بعد الأزمة الاقتصادية الخانقة التي امتد ت إلى أوربا خاصة بعد نجاح البلدان الصاعدة في التموقع كقوى فاعلة و مؤثرة في الخارطة السياسية و الاقتصادية العالمية الجديدة و تمكنها من تشكيل نظام اقتصادي عالمي جديد أكثر توازنا و أكثر عدلا.

و في هذا الخضم نعتبر ان تونس تحتاج إلى التريث و عدم التسرع في توسيع منطقة التجارة الحرة مع أوروبا و عدم الانغماس في العولمة الاقتصادية بصيغتها التقليدية من بوابة توسيع الشراكة و التبادل الحر حصريا مع البلدان الغربية و الاستفادة من التحالفات الجديدة.

جيهان مقني

قد يعجبك ايضا