صفاقس .. بلد المحوّل اليتيم

صفاقس - قنطرة - محوّل - بوعصيدة
صفاقس – قنطرة – محوّل – بوعصيدة

ما زالت تلك الصورة النمطية للحاكم لا تغادر مخيلتنا وهو يقدم مع موكبه بعطاياه وهباته، يذرّها كيفما شاء فيغدق على هذا ويكرم ذلك و يفتح أبواب “الرّزق” للعامة . وما زالت البهجة تدغدغ الشعور ساعة المصافحة و قصّ شريط التدشين و حين ينهال التصفيق فيؤرّق الهدوء الدائم. ذاك هو حال صفاقس و هي تستعدّ لاستقبال رئيس الحكومة بعد ان سُكب الطلاء ليزوّق حافات الشوارع و بعد ان أُرهقت المكانس وهي تجمع حبّات التراب المتكدسة على جانبي الطريق و بعد جلجلة الشاحنات الحاملات للفضلات المنزلية التي قاطعت الخمول واشتغلت اشتغال الدرّاسة يوم الحصاد.
صفاقس في مظهر نظيف عفيف ليوم أو يومين حتى تؤخذ قرارات مصيرية تحملنا الى مصاف المدن الكبرى فنرنو الى موديل العاصمة او ربما افضل من ذلك فيكتمل مشروع تبرورة الذي ارتبط بالمعضلة البيئية و يغلق معمل السياب و تنصب سكك المترو لتغطي المنطقة الحضرية وربما الأرياف المحيطة بالمدينة. في هذا الخضمّ قد تدرّ علينا زيارة رئيس الحكومة بمحولات أخرى تسند ذلك المحول اليتيم “السبوعي” الذي جاء منقوص الأطراف بعد تخطيط لسنوات و تشييد لسنوات أخرى. فهل يعقل أن تكون مدينة يسكنها أكثر من مليون ساكن يتجهون كل صباح الى أعمالهم في المدينة و أطرافها عبر شبكة طرقات بائسة و اختناق مروري يكاد يعصف بالبيئة والطاقة و الأرواح البشرية في حوادث مرورية يومية مفادها غياب البنية التحتية الأساسية التي تبنى عليها المدن الكبرى.
صفاقس تفتقد التنمية في حضرها وريفها اذ يخيّم الفقر على أبوابها و في دواخلها و يعاني شبابها التهميش رغم حذاقة الصنائع و الشهائد المتكدسة ولكن قلة الحيلة وانصراف رأس المال للعاصمة ولغيرها من المدن أفقد المدينة عظمتها وأنفتها و جعلها في ذيل المدن الكبرى التونسية. صفاقس تختنق الأعمال و تعزّ تمويلات المشاريع الكبرى رغم كفاءة الاطارات الجهوية و شدّة بأسها مع التعب والارهاق اذ لنا من الفرق العاملة من لا يستريح ولا يهمد الا بعد الانجاز المتقن ولعل المبادرات الحرة الصناعية والتجارية ضربت المثل في هذا المضمار فلمعت أسماء و شركات و ماركات فاجتاحت الوطن بأسره وعششت في أركان المعمورة اذ تجدها في دول الجوار و افريقيا وحتى بعض الدول الاوربية.
هنا لا ينتظر الناس الوعود ولا التحميس فقد ملأوا قدورهم و جرارهم و أوانيهم بالوعود وأما مستوى الحماسة فهو في أعلى مستوياته لو يتركنا أهل السياسة والكياسة لأمرنا و يعجلون بالمصادقة على الحكم المحلي الذي كفله الدستور فتصدر مجلة الجماعات المحلية و ينجح الموعد الانتخابي المرتقب. هنالك ستبني سواعد الولاية و أصدقاؤها المحولات و الكوبريات و الطرق السيارة التي لا زالت ترتقب انتهاء الأشغال لينطلق التدشين. سيكون للمحول اليتيم اخوة عديدون تسهّل حركة المرور ثم تكون منطلقا لإحداث مدينة كبيرة و متناسقة تضاهي صديقاتها المنتصبة على ضواحي المتوسط.

بقلم حاتم الكسيبي / بريد القراء

قد يعجبك ايضا