الحياة المشوّهة والتسيير

الحياة المشوّهة والتسيير

إنّ إمكان التلفت نحو الحياة هو إمكان للنظر في ما يجعل من صورتها العطوب عنوانا لأزمة الذات الإنسانية، وهو بهذا المعنى إمكان نقدي. غير أنّ نقديته ستتخذ طابعا مغايرا لما هو دارج في الفلسفات الحديثة.ويحتاج الأمر للولوج لهكذا إمكان نقدي أن يتسلح “المرء بالشضية التي في عينه فهي خير عدسة مكبرة” ، كما يشير إلى ذلك” أدرنو” إشارة واضحة لمسار نقدٍ لا يمكن أن يكون منطلقا للتفكير من علٍ ومن خلال منظومات فكرية مجردة وبالتماس “كل أشكال التبرير أو التسويغ المتعالي عن الواقع الفعلي والموضوعية التاريخية لحياة الإنسان المعاصر.”

رأس الأمر ها هنا فيما نبحث عن الإمساك به في فلسفة “أدرنو” هو تلمّس إحداثية البداية لهذا المسار النقدي، من حيث هو مسار يجيب عن سؤال قد يكون من الضروري طرحه للإلمام بالغرض الذي يقف وراء انتباه “أدرنو” إلى أن النقد لا يعيّن فقط موضوعه ولا طبيعته ولا منهجه وأسلوبه بل يعيّن أيضا بدايته، وهو ما يجعلنا نتساءل من أين نبدأ حينما نريد لنقدنا أن يكون حاملا لمشروع فلسفة نقدية اجتماعية تكون بديلا ضروريا عن النظرية التقليدية؟.

إن “الشضيّة التي في عيني الإنسان المورّط في الإنسانية ” – لا يمكن أن تخطئ وهي تلقي ببصرها إلى هذا المسخ الذي آلت إليه الحياة – حجم الكارثة، و أن تعي أنّ الأزمة الحقيقية للإنسان المعاصر تتمثل في عودة البصر خاسئا وهو حسير، منقلَب يكشف حجم الظلم المسلّط على حياة الإنسان إلى الحدّ الذي يمكن أن نستنتج معه أنه “لم يعد ثمة حياة ” فالحياة لا تحيا.

هكذا اختار “آدورنو” أن يجد عند هذا الطابع المأساوي للحياة ما يكون استئنافا لما كشف عنه كتاب جدلية التنوير الذي ألفه مع صديقه “هوركهايمر” من نقد لمشروع التنوير من حيث هو رمز الحداثة الغربية وما يفيد ذلك من انغراس للنقد في سياقه التاريخي وما يقتضيه من انشغال على ما هو كائن.

لعلّ ما عاشته المجتمعات الغربية من صعود للنظم السياسية الشمولية كالنازية والفاشية والستالينية ومناخات الحرب التي خيّمت على أوروبا في هذه اللحظة التاريخية وما صاحبه من انهيار مكانة الفرد ما يجعل” أدرنو” و”هوركهايمر” في مقدمة كتابهما جدلية التنوير يؤكدان على أن “مفهوم الفكر المتنوّر ينطوي على بذرة التراجع الذي نعانيه في أيامنا في كلّ مكان “.

إنّ ما يشغل “آدورنو” في هذا المقام بالذات هو كيف تحوّل التنوير من أفق عقلاني للتقدم إلى أسطورة تخفي السيطرة والهيمنة؟ وهو ما يكون باعثا على السؤال عن هذا المنقلب الذي صارت إليه الإنسانية “إذ كيف يمكن أن نفسر تدمير العقل التنويري لنفسه؟ “لماذا اقترن تاريخيا بالبربرية أو كيف يتسنى للعقل أن يخذل نفسه بنفسه ويدخل تاريخيا في صراع لا بل في تناقض صارخ مع نفسه؟”.

ينبغي إذا الولوج إلى نقد الحياة وما آلت إليه من مسخ وتشويه من خلال نقد هذه الواجهة التنويرية الفضفاضة وما أفضت إليه من “كسوف العقل” وتدمير له، إنه ولوج فاضح يتعلق النقد فيه “بتسيير” الحياة فأي معنى كارثي، ذلك الذي تتخذه “دلالة التسيير” وهي ترسم معالم هذا العالم المسيّر وهذه الحياة المسيّرة ؟ وأي منقلب يمكن أن ينتمي إليه تسيير الحياة ؟ .

ما من شكّ أن “أدرنو” يرى في هذا “التسيير” ما يجعل من مشروع الحياة مقترنا بالأشكال الجديدة لعقلنة العمل والمبادلات التجارية والخدمات والمعلومات التي عرفتها الثقافة المعارضة ليغدو بذلك التسيير حمّالا لمعنى السيطرة والهيمنة والتعميم ومساعي الدمج التقني والاقتصادي والثقافي التي تتفعل في مجرى الحياة فتحوّل العالم إلى عالم مسيّر يشكل ادعاء التقدّم أحد لافتاته الأساسية.

كما يبدو واضحا أيضا أن “أدرنو” يحرص منذ الإهداء على إيلاء التحولات التي طرأت على حياة الإنسان، العناية اللازمة والضرورية لتفسير الضرورة الفلسفية التي تقف شاهدا على شرعية العلم الحزين من حيث هو كتاب يجعل مما يحدث للإنسانية في مرحلة تاريخية دقيقة ومناخات عاصفة نقطة انطلاق وارتكاز لتفكير نقدي تاريخي، يُعلن فيه عن تحوّل قادم يُفضي إلى تخليص الفلسفة مما يجعل منها” تبريرا للسائد بالموكب المنتصر للتيار الموضوعي “.

يعثر “أدرنو” فيما يحدث للحياة من تحولات عما يستدعي “تفحص شكلها المغترب والقوى الموضوعية التي تعيّن الوجود الفردي حتى في أدق ما هو مخفي” . إن هذه المهمة تفسر ضرورة الانتباه إلى هذه العلاقة التي تربط الحياة بالإنتاج من حيث هي علاقة سلطوية تؤمّن النظام وتملي على الجميع كيف يحيون تحت سلطته؟.

إنّ التسيير ينشأ عن هذا المسعى الذي يستهدف السيطرة والهيمنة المعمّمة التي تؤدي إلى ظهور عالم مسيّر. وهو ما كشف عنه “أدرنو” حينما تحدّث عن “مبدأ الهيمنة الإنسانية الذي تحوّل في انبساطه إلى مبدأ مطلق” ، قد يصبح من الضروري أن نتتبع فعل هذا الانبساط الذي لا يمكن أن نحدّ مداه والذي يُعلن عن سقوط كل شيء في قبضة سلطة تنتهي إلى الإجهاز على الذات ذلك “أن الموضوعية الغالبة لحركة التاريخ في طورها الراهن تقوم رأسا وبشكل لا نظير له على انحلال الذات” .

من الواضح أنّه يوجد في هذا المشروع السلطوي القائم على مبدأ ” الهيمنة المعمّمة”ما يكفي للتفطن بأنّ العقل الذي يوجّهه يجنح نحو التسلط والسيطرة، لأنّ بنيته الأساسية هي التسلّط وهو ما ينتبه إليه “أدرنو” من حيث هو تسلّط يدخل تحت طائلة التسيير الذاتي للعقل. فقد آل مشروع التنوير الواعد بالحرية والتقدم والمبشر باستقلالية الذات إلى انبساطٍ للهيمنة يوازيه انبساط للدمار. إن وحدة العقل والهيمنة توجد في بنية العقل ذاته وتكشف عن تحول العقل إلى أسطورة والأسطورة إلى عقل وهو تحوّل مفارق.

يمكن أن نلاحظ مما سبق أن الإقبال على فهم ما وقع للحياة وللعالم حتى يصير”عالما مسيرا” يوشك أن يكون عند “أدرنو” بمثابة المحرّك الأساسي للنقد حيث يكون تعرية هذه الظاهرة المسلك الوحيد الذي على المرء أن يسلكه حتى لا يقع في “مسلك أولئك الكتّاب الروائيين الذين يرصّفون دُماهم بمحاكاة الأهواء القديمة كأن بزينة رخيصة ويتركون الشخوص التي لا تعدو كونها قطعا من المكنة تفعل كأنه ما زال بوسعها أن تفعل بعامة كذواتٍ وكأن شيئا مازال متعلقا بفعلها “.

وقد يصبح جليا ههنا أن نستنتج أنّ ” أدرنو” يتصدّى لهذا المسلك ويقف على النقيض منه ليكشف حجم المغالطات والادعاءات التي قام عليها ويحذّر من أن وضع الذوات فيه يماثل وضع الشخوص وأنّ المعيب لهذه الذوات ليس فقط عدم وعيها بأنها أصبحت مجرد قطع من المكنة بل توهُّمِ أنّ “شيئا ما زال متعلقا بفعلها”.

إنّنا إذْ نرصد دلالة التسيير ومآلاته على الحياة الحق التي صارت حياة مشوّهة إنما يدفعنا في الواقع هاجس البحث هاهنا إلى فعل تشخيصي نقدي، يستهدف الكشف عما يقدّر “أدرنو” بأنه يمثل شاهدا على ظهور معقولية ظلماء تمثل باعثا على تورط الفكر في انجاز المثال التقني والأداتي الذي يتخلل كل منظمات الجمعنة ومراكز النفوذ والتسيير وهو الأمر الذي يمكن أن نستشف منه أن التسيير شكّل داخل هذه الحداثة والتنوير المزيّف غير “المستنير” عنوانا للامعقولية العقلانية الحديثة.

إن سؤال التسيير ما هو؟ وكيف يعمل لإنتاج حياة لا تحيا؟ هو سؤال ينبني على أرضية فلسفية تتقصّد الوقوف عند هذا “المستشكل تاريخيا”. ذلك أن النظرية التقليدية، إما أنها عاجزة ،أو أنها متواطئة مع ما يحدث للحياة من تشوه ومسخ، لذلك يكشف هذا السؤال المسوخات والتشويهات التي لحقت الحياة والفلسفة على حدّ السواء، والذي يحمّل الفلسفة النقدية ضرورة تنزيل النقد تاريخيا، الأمر الذي يقتضي التوقف عند المهمة التي يمكن أن تُوكل لهذا السؤال، بما هي مهمة تعرية وفضحٍ للفلسفة من حيث هي تجريد نظري.

ولما كان من غير الممكن تعقب دلالة” التسيير” من دون فحص لما قامت عليه الحياة المسيّرة من أفعال هيمنة شاملة وتشيئة، ساهمت في انخراط الحياة في مسار تقني معمّم يُعدّ نتاج عقل تحوّل نتيجة انحرافه عن مهمته الكونية إلى أداة وتقنية، فإنه أصبح من الضروري الانتباه إلى هذا المسار الذي أدّى إلى إدماج الحياة الخاصة في سياق المنفعة.

إنّ هذا المسعى الملغز كما يشير إلى ذلك “أدرنو” يبتلع “مجال الخاص برمّته” وهو المسعى ذاته الذي يقع فيه “التضحية بما هو فردي فيكون ِسعر فرديتنا هو ثمن السلعة”. ويُفهم التسيير هاهنا على أنه أثر التشيئة والمكننة والعقلنة للإنسان والحياة معا. رأس الأمر هاهنا أننا نرصد انحرافا خطيرا وكارثيا للعقل أدّى إلى تغيير مجرى الحياة وإخضاع كل شيء لمطلب “مجاراة ما هو قائم” ليَكون التسيير بهكذا دلالة ما يسمح بالتعامل مع “البشر كأشياء” وما يهيئ المجال لاستقبال حياة مشيئة وليكن منّا على بال التحوّل الذي يطرأ على التشيئة والشيآنية التي تصبح هي ذاتها أيديولوجيا. ” لقد تحولت الشيآنية القائمة بين البشر التي من شأنها أن تزيل كل تنسيق أيديولوجيتهم هي نفسها إلى إيديولوجيا” .

إنّ أمرا ما خطيرا وكارثيا ذلك الذي يرافق تسيير العالم ويفضح خطّة هذا العالم المسيّر وهو أمر يتعلّق بتحوّل وانتقال سلطوي عنيف يُحمل على فهم سيرورة العالم بما هو نتاج سيرورة العقلنة التي تُفهم هاهنا على أنها “عقلنة من أعلى” تستهدف إعادة إنتاج العلم والتقنية على نحو من ” يأخذان أهمية إيديولوجية بديلة بالنسبة إلى الإديولوجيات البرجوازية المنهارة في هيئة وعي عام وضعي مشروخ بوصفه وعيا تكنوقراطيا” .

لقد استطاع “أدرنو” أن يكتفي بثنائية العقلنة ويفكك انعزالها ويقف عند ما آلت إليه من هيمنة على محتوى هذا العالم المسيّر. فالحداثة نفسها تنبثق من خلال سيرورة العقلنة، تلك التي تنزع بعنف إلى مآلٍ يصبح فيه كل شيء أيديولوجيا حتى الحياة.

وقد يكون من الضروريّ والحال تلك أن نبيّن أن السؤال عن التسيير في معناه العميق يضحي مدخلا لتعقل مسار هذه العقلنة التي تعني “بداية اتساع المجالات الاجتماعية مع النتيجة التي مؤداها أن معايير الفعل الأدائي لا بدّ أن تنفذ إلى مجالات أخرى، إعمار أسلوب الحياة وإدخال التقني إلى التبادل والتواصل”. وهو الأمر الذي دعا “أدرنو” إلى التنويه بأنه قد وقع كل شيء في شِراك استهلاك معمّم ومشيّء وصار كل شيء بضاعة بما في ذلك الفنّ والإنسانية والثقافة والقيم وهذا أحد أبرز وجوه العالم المسيّر الذي قام على التوسّع والاحتواء والدمج العنيف حتى يمكن القول إنّ”الفلسفة دُسّت في بداية الشخصية وتغلغلت فيها وراحت توجّه التفاعل وتقوده “.

قد يكون من الضروري لفحص دلالة ” العالم المسيّر” أن نكشف ما يختفي وراء الأكمة وهذا الذي يحاول الأدب الصغير تعيينه بوصفه ما تعمل الإتيقا بما هي نقد، على استشكاله وبلورته بوصفه مشكلا تاريخيا يتعلّق ” بالفعل والممارسة.” فالتسيير يعكس مجرى العالم ومسعاه وسيرورة العقلنة بما هي سيرورة نفي الذات ونفي الحياة وهو ما يفتحنا على المسار الواقعي لحياة المجتمع” من حيث هو مسار مضاد للإنسان الذي أضحى موضوعا مطلقا فالسؤال عن التسيير إذا هو سؤال عن الإنسان؟وهو سؤال عن التاريخ؟ وهو بذلك سؤال عن المصير لا عن الماهيّة؟.

إنّه سؤال تاريخي يلامس معه “أدرنو” في الشذرة 29 ما يمكن أن نسمّيه بما “قبلي” التسيير أي الخلفية الأنثروبولوجية والسيكولوجية والسوسيولوجية التي توجّهه لكن بالنظر إلى التطوّر الذي شهدته السّيكولوجيا عبر العصور من بروتاغوراس إلى عصر النهضة ليكشف “أدرنو” بذلك كيف تمّ إنزال الإنسان بين الأشياء” .

وقد يكون من اللافت ها هنا أن يدعونا هذا الأمر إلى الانتباه إلى منزلة “الأنا” داخل هذه السيكولوجيا حيث يؤكّد “أدرنو” أن الأنا الذي هو الفكرة الموجهّة للسيكولوجيا وموضوعها القبلي تحوّل تحت رايتها وباستمرار إلى شيء غير موجود . وليكن مناعلى بال أنّ ” التسيير” هو وليد أزمة أنثروبولوجية وأنطولوجية وتاريخية وهو يشكّل تراكما لهذا الفكر البشري الذي لم يكن التطوّر والتقدم بالنسبة إليه إلا عنوانا للسيطرة والهيمنة والتشيئة. فلقد تمّ منح” المجتمع الأسلحة التي بها يجعل فعلا تلك الذات موضوعا ويظلّ مسيطرا عليها ” في الوقت نفسه الذي كان فيه التنوير يبشّر بالحرّية ويعدُ بالتقدّم.

بيّن إذا أن مفهوم التسيير يستدعي منا معالجة إتيقية تتكثّف عندها كل الأسئلة التي تتعلّق بالحياة والإنسان، لذلك تُقدّ كلّ المشكلات الإتيقية منه، لكي يسمح ذلك للفيلسوف بأنْ يعرّي حقيقة المسخ الذي تعرّضت له الفلسفة والحياة في مجمل سياقاته الفلسفية والاجتماعية والسياسيّة والجمالية… لذلك يمكن القول بأننا حينما نسأل عن “التسيير” فإننا نسأل عن الحياة وأي حياة تلك التي يحياها الإنسان؟ هل هي حياة جديرة بأن تحيا ؟ كما نسأل عن الإنسان وأيّ إنسان ذاك الذي يحيا هذه الحياة؟ وما إذا كان بالإمكان التفكير فيه فعلا بما هو إنسان؟بل إننا ندرك في خضمّ هذه الأسئلة، من الأسئلة أصعبها وأكثرها تعقيدا، حينما يرتدّ السؤال عن التسيير إلى السؤال عن الفلسفة: وأيّ فلسفة هي تلك التي يمكن لها أن تجعل من تفكيرها في “العالم المسيّر” إمكانا جريئا لإحداث نقلة نوعية في تاريخ الفلسفة يجعل منها فلسفة اجتماعية وماديّة قادرة على الوقوف عند قوانين الواقع الفعلي فتتمكّن بذلك من تنزيل الفكر تنزيلا تاريخيا؟.

ربّما كان من الأجدر إذا أن نقلّب أمر التسيير والعالم المسيّر من خلال كل ّ هذه الواجهات النقدية التي فتحت الفلسفة على قول آخر في الإنسان وفي الحياة. لذلك لا يمكن أن ننظر إلى كتاب الأدب الصغير بمعزل عن المشروع الفلسفي الذي رفعت لواءه المدرسة النقدية. وهو ما يؤكّد أن البحث في التسيير وفي العالم المسيّر ينسُل عن نفس المشروع الفلسفي النقدي الذي يكون بذلك قد وضع إصبعه على موطن الداء، لكي يوجّه الفلسفة للتفكير صوب هذا الذي يعني الإنسان في علاقته بذاته وفي علاقته بالحياة.

يرادُ إذا من هذا الإهتمام “بالعالم المسيّر” أن يكون “مادة تفكير تكشف حقيقة هذا الذي التقطه كتاب الأدب الصغير من الحياة المشوّهة لكي يكون سؤال التسيير والعالم المسيّر، هو سؤال الكارثة والهول. إنّ الانخراط في مساءلة العالم المسيّر هو انخراط يوجب على الفلسفة أن تتغيّر، ولكن ما هو شكل هذا التغيّر؟ وما هو مضمونه ؟ هل على الفلسفة أن تغيّر مثلا من طرق تفكيرها الاستنباطية وأدوات نقدها وأسلوب كتابتها المنطقية أم عليها أن تغيّر أيضا من الأغراض التي يجدر بالفيلسوف أن يخوض فيها؟

لا نروم من خلال طرح هذه الأسئلة أن نجيب عنها بقدر ما يستوقفنا في هذا المقام التفطّن إلى هذه العلاقة بين ما آل إليه تسيير العالم من تشوه للحياة ومسخ لها، وما يقتضيه ذلك من إحداث تغيّر نوعيّ وجذري في الفلسفة فكرا وممارسة ، حتى تتأهل لكي تكون فلسفة نقديّة مادّية مقاوِمة لكلّ أشكال الهيمنة والتشيئة والاضطهاد، وهو ما يشكّل شاهدا على أن أمرا ما قد طرا على الفلسفة، وأدّى بها إلى هذا المنقلب الخطير من المواجهة والمقاومة، تعود أسبابه الحقيقية إلى ما رصده “أدرنو” من تسيير للحياة بلغ ذروته إلى الحدّ الذي تم فيه “ابتلاع المجال الخاصّ برمته داخل مسعى ملغز يحمل جميع معالم النشاط التجاري دون أن يتعلّق الأمر في الواقع بالتجارة” .

بيبلوغرافيا
1. الأدب الصغير، ” ثيودور أدرنو” ترجمة وتقديم ناجي العونلي، شرق غرب بغداد، ص 87
2. الأدب الصغير، نفس المصدر، ص 15
3. الأدب الصغير، ” نفس المصدر، ص 28
4. جدلية التنوير، “هوركهايمر” و “أدرنو” ، نيويورك، 1972، ص41
5. الأدب الصغير ، ” ثيودور أدرنو” ترجمة وتقديم ناجي العونلي، شرق غرب بغداد، ص31
6. الأدب الصغير، نفس المصدر، ص 28
7. الأدب الصغير، نفس المصدر، ص 27
8. الأدب الصغير، نفس المصدر، ص 109
9. الأدب الصغير، نفس المصدر، ص 29
10. الأدب الصغير، نفس المصدر، ص 28
11. الأدب الصغير، نفس المصدر، ص 40
12. الأدب الصغير، نفس المصدر، ص 42
13. الأدب الصغير، نفس المصدر، ص 110
14. الأدب الصغير، نفس المصدر، ص 63
15. العلم والتقنية كإيديولوجيا، يورغن هابرماس، كولونيا المانيا، 2003، ص85
16. العلم والتقنية كإيديولوجيا، نفس المصدر، ص43
17. النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، من ماكس هوركهايمر الى إكسل هونيت، كمال بومنير، ص 12
18. الأدب الصغير، ” ثيودور أدرنو” ترجمة وتقديم ناجي العونلي، شرق غرب بغداد، ص 109
19. الأدب الصغير، نفس المصدر، ص 109
20. الأدب الصغير، نفس المصدر، ص 109
21. الأدب الصغير، نفس المصدر، ص 109
22. الأدب الصغير، نفس المصدر، ص 40

التلخيص
يتعلق البحث بالحياة المشوّهة وعلاقتها بالتسيير عند “أدرنو” ونقصد بالتسيير منظومة عمل إدراية تهدف إلى التحكّم في الأفراد وإخضاعهم وتوجيههم وتعزيز قيم الطاعة والإنظباط لديهم، أما الحياة المشوّهة فتعني الحياة المزيّفة والمعطّبة وهو ما يكشف عظمة التسيير وقدرته على تشويه الحياة ومسخها.

Résumé

La relation entre la vie mutilée et la gestion et le ménagement chez « Adrno » est le sujet de cet texte, par gestion nous entendons une organisation administrative de travail qui vise à contrôler les individus, à les soumettre, à les orienter et à renforcer chez eux, les valeurs d’obéissance et de discipline, quant à la vie mutilée elle désigne une vie falsifier et déformer ce qui relève la puissance du ménagement et sa capacité à altérer et à dénaturé l’existence humaine.

المفردات
الحياة المشوّهة – التسيير المعقولية الظلماء – الجمعنة – تزييف العقل – تنوير العقل – العقل الأداتي – الكليانية – الحداثة – التشوهات – المسوخات

بقلم: الباحث سامي عيفة

قد يعجبك ايضا