“بارا روس” وبطرية “أكولا” .. درر أثرية في جهة صفاقس تخرج من غياهب النسيان

صفاقس - الموقع الأثري "باراروس"
صفاقس – الموقع الأثري “باراروس”

هنا… في آخر نقطة من ولاية صفاقس, على الحدود مع ولاية المهدية … تكمن دررا أثرية ضاربة في عمق التاريخ… اخذ منها الزمن… ولازالت تقف شاهدا تاريخيا على الزمن الضائع بل لنقل على تجذر جهة صفاقس في الحضارة الإنسانية والإشعاع الذي ظلت آثاره إلى اليوم على المستوى العربي والمتوسطي .. إنهما الموقعان الأثريان “بارا روس” وبطرية- أكولا”.
ما كانت تتوفر لنا الفرصة للاطلاع واكتشاف مثل تلك الكنوز الأثرية المجهولة “حيث لم تحض بزيارات ولا تصنيف” وفق ما أفاد الخبير في المعهد الوطني للتراث “راشد حمدي” لو لا رحلة المسارات والمزارات الثقافية التي بادرت بتنظيمها اللجنة التنفيذية لتظاهرة صفاقس عاصمة الثقافة العربية 2016, أمس الأحد, للصحفيين والمصورين الفوتوغرافيين وذلك للتعريف بمختلف المسارات والمزارات الثقافية لولاية صفاقس ومعالمها التاريخية وتراثها المادي واللامادي.
رحلة السياحة والثقافة انطلقت ب42 مصورا فوتوغرافيا من الشباب الذين شاركوا ضمن المسابقة الوطنية للتصوير الفوتوغرافي التي نظمتها تظاهرة صفاقس عاصمة الثقافة العربية حول هذه المسارات و22 صحفيا من مختلف وسائل الإعلام, لتحط الأثري رحالها بالموقع الروماني “بارا روس” الواقع على بعد 55 كم شمال شرقي مدينة صفاقس وتحديدا بمنطقة الحنشة والممتد على 200 هكتار في انتظار الحفريات والاكتشافات.
وأنت تجوب المعلم الأثري “بارا روس القديمة” المعروف ب”وادي الرقة” حديثا والذي ما زال في حاجة للاكتشاف… لا يمكن أن يشد انتباهك أو عدستك إن كنت مصورا فوتوغرافيا غير الخزانات الكبيرة المحفورة تحت أنفاق الأرض عن طريق الأروقة والأعمدة التي تختزل روعة المعمار الروماني تعلوها شرفات مقوسة بنيت فوق سطح الأرض للتهوية والإضاءة… تمكن الزائر من النزول إليها عن طريق مدرجات محفورة لاكتشاف جمالية هذا المعلم الأثري.
هذه الخزانات لتجميع المياه التي تبغ سعتها حوالي 7600 م3 ويتراوح قطرها بين 36 و40 م, تعود, حسب شكل هندستها الفريدة من نوعها والتي تكاد الوحيدة في الجمهورية مبنية تحت سطح الأرض على شاكلة الأروقة والأعمدة إلى القرن الأول بعد ميلاد المسيح” وفق ما ذكره الخبير في المعهد الوطني للتراث “راشد حمدي”.
الموقع الروماني “بارا روس” الذي ظل شامخا رغم فعل الزمن الغابر فيه, يحتوي أيضا على عديد المعالم الأثرية التي مازالت تخلد عمق الحضارة والتاريخ مثل الساحة العامة التي يعود بنائها إلى القرن الأول بعد ميلاد المسيح ثم تم توسيعها في القرن الثاني بعد المسيح… وتفتح الساحة العامة على معبدين يعودان للقرن الثاني بعد المسيح وقوس النصر في مدخل المدينة الذي يعود حسب الهندسة والحفريات إلى بداية القرن الأول بعد المسيح وملعب ومسرح رومانيان اللذان يعودان حسب خصائص هندستهما إلى بداية القرن الثاني القرن الثاني بعد الميلاد إضافة إلى بعض المنازل الرومانية مثل دار العازف “ورفاي”التي تعود حسب هندستها إلى آخر القرن الثاني بعد المسيح.
رحلة اكتشاف تجذر جهة صفاقس في عمق الحضارة الإنسانية من خلال الدرر الأثرية الكامنة فيها… تواصلت عبر تحول قافلة المصورين والصحافيين من الموقع الأثري “بارا روس” إلى عمادة بطرية وهى عمادة من عمادات معتمدية جبنيانة, حيث يوجد الموقع الأثري الروماني “بطرية-آكولا” الواقع على بعد 45 كلم تقريبا بالشمال الشرقي لمدينة صفاقس.

آثار أكولا
آثار أكولا

بتجوالك في رحاب الموقع الأثري “بطرية –آكولا” الذي تقدر مساحته المكتشفة حوالي 200 هكتار … تكتشف أن هذا المعلم الذي تعود جذوره للفترة الفينيقية… ما زال يقف شامخا رغم طيات النسيان وويلات الزمان, بما يحتويه من كنوز أثرية بادية للعيان منها الساحة العامة للمدينة ومنزل “ازينوس ريفينوس” به نقيشة رومانية وحمامات “تراجون” تحتوي على نقيشة لاتينية تؤرخ أن هذه الحمامات مهداة إلى الإمبراطور “تراجون” ومنزل “نبتون” ومنازل أخرى تسمى بالأعمدة الحمراء تعود إلى القرن النصف الثاني بعد الميلاد ومسرح غير مكتشف وملعب روماني وكنيسة مسيحية تحتوي حوضي تعميد يعود تاريخهما إلى العهد البيزنطي وبقايا رصيف لميناء المدينة الرومانية.
“بارا روس” و”بطرية- أكولا”… هذان الموقعان الأثريان بل الكنزان الأثريان المحفوران في آخر نقطة من ولاية صفاقس والضاربان في عمق التاريخ … “غير أنهما مجهولان ومنسيان في الذاكرة الثقافية ويبقيان في حاجة لمزيد الاستغلال والاكتشاف والحفريات للأجيال القادمة مثلهما مثل بقية المعالم الأثرية التي تزخر بها جهة صفاقس حتى تكون مواقع أثرية محفوظة في الذاكرة الشعبية الثقافية ومزارات سياحية مصنفة في سجل التراث العالمي” وفق تقدير الخبير في التراث “راشد حمدي” الذي أضاف أن هذا العمل يتطلب تضافر كل الجهود وفي مقدمتها المجتمع المدني”.
من جهتهم أعرب عدد من المصورين الفوتوغرافيين المشاركين في المسابقة الوطنية للتصوير الفوتوغرافي حول هذه المسارات الثقافية عن إعجابهم بهذه المعالم الأثرية مثل الخزانات الموجودة في الموقع الأثري “بارا روس” الذين اعتبروها “مختلفة وفريدة من نوعها في تونس وإفريقيا والحوض الأبيض المتوسط ” لافتين إلى ضرورة إبراز قيمة هذه المعالم من خلال عدساتهم الفوتوغرافية من اجل تثمينها والترويج لها على غرار المعالم الأثرية بتونس وإدراجها ضمن التراث العالمي.
يذكر ان المسابقة الوطنية للتصوير الفوتوغرافي التي تنظمها اللجنة التنفيذية لتظاهرة صفاقس عاصمة الثقافة العربية 2016 للتعريف بمختلف المسارات والمزارات الثقافية لولاية صفاقس ومعالمها الأثرية وتراثها المادي واللامادي والقوافل الإعلامية المرافقة لها تتخذ شكل رحلات وزيارات ميدانية وذلك أيام الآحاد 22 و29 جانفي و5 و12 فيفري 2017 وهي تباعا مسار “بارا روس-بطرية-اكولا” بالحنشة وجبنيانة ومسار الأرخبيل” بقرقنة ومسار “يونقة-جزر الكنايس” بالمحرس والغريبة ومسار”شيخ التيجاني والأسواق” بالمدينة العتيقة.

هدية بوصرصار / وكالة تونس افريقيا للانباء / مكتب صفاقس

قد يعجبك ايضا