التدخين في تونس: بين الوصم وغياب البدائل

منع التدخين - التدخين

تشير آخر دراسة MICS لسنة 2023 إلى أن قرابة نصف الرجال في تونس من المدخنين، إلا أن سياسات مكافحة التدخين لم تنجح بعد في تحقيق نتائج ملموسة. فبالرغم من الترسانة القانونية والحملات التوعوية المتكرّرة، تبقى نسب الاستهلاك مرتفعة، خصوصاً لدى فئة الشباب. بين قوانين غير مطبّقة، وخطاب يُحمّل المدخّن وحده المسؤولية، وغياب حلول واقعية تساعد على الإقلاع، تبدو الاستراتيجية الوطنية محدودة وتحتاج إلى مراجعة شاملة.

ورغم وجود عدة إجراءات مثل منع التدخين في الأماكن العامة، ومنع الإشهار لمنتجات التبغ، والانضمام إلى الاتفاقية الإطارية لمنظمة الصحة العالمية سنة 2010، إلى جانب الترفيع في الأداءات ووضع التحذيرات الصحية على العلب فإن النتائج تبقى محدودة. فالواقع اليوم يُظهر أن بيع السجائر بالتفصيل مازال منتشراً، والتدخين مسموح عملياً في أغلب الفضاءات والمنتجات التبغية متوفرة في كل مكان وفي أي وقت.أما حملات التوعية، فهي مازالت تعتمد نفس الرسائل القديمة، بلغة قاسية أحياناً ومشحونة باللوم، لا تتماشى مع أسلوب الشباب ولا مع واقعهم الاجتماعي والنفسي، وهو ما قد يزيد من الإحساس بالعزلة والوصم بدل أن يشجعهم على التغيير.

رؤية مختلفة من الخارج
تُعتبر السويد المثال الأكثر تداولاً في مجال مكافحة التدخين. فبفضل منتج “السنوس” وأكياس النيكوتين، سجّلت البلاد أدنى معدل تدخين في أوروبا بنسبة 5.4٪ فقط. أما المملكة المتحدة، فقد تبنّت مقاربة واقعية تستند إلى الأدلة العلمية، حيث تُعتبر السجائر الإلكترونية بديلاً أقل ضرراً ووسيلة فعّالة للإقلاع عن التدخين. ومع ذلك، حظرت البلاد السجائر الإلكترونية ذات الاستخدام الواحد ابتداءً من 1 جوان 2025، بهدف الحد من النفايات وتقليص استهلاكها بين الشباب . في تونس، يبقى النقاش مغلقاً. فالمنتجات البديلة غائبة عن الإطار المؤسساتي ومُدانة في الخطاب العام، رغم أن البحوث العلمية الدولية تفرّق بوضوح بين المخاطر المرتبطة بالتبغ القابل للاحتراق وتلك الخاصة بالمنتجات الخالية من الاحتراق.

و يمثل البروفيسور مارك تيندال، أستاذ الطب في جامعة كولومبيا البريطانية في كندا،أحد أبرز المختصين في مجال الإدمان و من أبرز الداعمين لمقاربة “التقليل من المخاطر.”. يستند تيندال إلى خبرة طويلة مع فئات هشة كمتعاطي المخدرات والمصابين بالأمراض المزمنة ومرضى فقدان المناعة المكتسبة والمشردين، ويرى أن مساعدة المدخنين على الوصول إلى منتجات نيكوتين أقل ضرراً هي قضية عدالة اجتماعية وصحية، بل قد تكون أحياناً مسألة حياة أو موت.في كتابه Vaping: Behind the Smoke and Fear، يروي تيندال حالات لمرضى اضطروا لمغادرة المستشفيات لأنهم لم يُسمح لهم بالتدخين، في حين كان يمكن ببساطة تزويدهم ببدائل آمنة مثل السجائر الإلكترونية. ويؤكد أن النيكوتين ليس هو السبب المباشر للأمراض المرتبطة بالتدخين، رغم أنه مادة مسببة للإدمان. كما ينتقد ما يسميه “الوصاية الصحية”، أي فرض سياسات حظر مطلقة على الدول دون مراعاة خصوصياتها وسياقاتها.

نحو سياسة تونسية أكثر واقعية
إن الاستمرار في تكرار نفس الرسائل والخطابات دون مراجعة حقيقية للواقع التونسي لن يؤدي إلى نتائج،إذ لايمكن مقاومة التدخين بفعالية إلا من خلال مقاربة شاملة تجمع بين التنظيم، والتوعية، والابتكار والمرافقة الفردية.

فالسياسة الصحية الناجحة يجب أن تُبنى على الواقع المعيشي، وأن تراعي العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمع. و يتطلب ذلك وضع إطار قانوني واضح ينظّم المنتجات البديلة الخالية من الدخان، ويضمن مراقبة جودة تصنيعها وتسويقها وتوزيعها ويحمي الشباب والمرضى وغير المدخني.

كما يجب إدماج هذه البدائل في برامج الإقلاع عن التدخين، مع تكوين مستمر للإطارات الطبية حتى تتمكن من تقديم المعلومة الدقيقة ومرافقة المدخنين بطريقة علمية وفعالة.

أما في جانب التواصل، فمن الضروري أن يستند الخطاب إلى العلم والمعطيات الموثوقة لا إلى التخويف أو الخطاب. الأخلاقي، حتى يكون قريباً من الناس ومقنعاً لجيل جديد أكثر اطلاعاً ونقداً.

قد يعجبك ايضا