خبير في التغيرات المناخية يوضح السبب الرئيسي وراء ارتفاع حالات الغرق

غرقكشف الخبير في التغيرات المناخية حمدي حشاد، في تدوينة على صفحته الرسمية، السبب الرئيسي وراء ارتفاع حالات الغرق.

وأوضح حشاد أن التغيرات المناخية تلعب دورا كبيرا في حالات الغرق خلافا لما يعتقده الكثير أن السبب هو التهور أو السباحة في مناطق ممنوعة.

  • وفي ما يلي نص التدوينة: 

“نحنا كل صيف قاعدين نسجّلو في ارتفاع كبير لدرجات حرارة البحر الأبيض المتوسط، وبشكل غير مسبوق، ومعاها ترتفع حالات الغرق، خاصة في الشواطئ المفتوحة والغير مراقبة. الناس تفكر إنو السبب هو التهور أو السباحة في مناطق ممنوعة، لكن الواقع أعقد من هكا، والتغيرات المناخية عندها دور كبير، ولو موش واضح للعين المجردة وتبعوني نفهموا الحكاية مع بعضنا.

اللي قاعد يصير هو إنو مع كل ارتفاع في درجات حرارة الجو، تسخن الطبقة السطحية لبحر، وتتبدّل ديناميكية التيارات البحرية، خاصة على السواحل الرملية. البحر ما عادش يتصرف بنفس الطريقة القديمة. تغيّر الحرارة والملوحة والضغط الجوي يخلق تيارات جديدة، أقواها وأكثرها خبث هي التيارات العائدة (rip currents). هاذي تيارات ضيّقة وسريعة تمشي من الشاطئ لداخل البحر، وتشدّ السباحين، حتى وقت يكون البحر ظاهر هادئ. تخدم كيف نظام المصيدة، واللي يحصل فيها لازم يعوم بطريقة تكون موازية للشاطئ كمحاولة للتخلّص من تأثيرها، موش ضدّ التيار مباشرة خاطر هذاك أخطر شيء ينجم يعمله.

البحر الأبيض المتوسط اليوم يعتبر من أكثر المناطق حساسية للتغيرات المناخية، لدرجة اللي بعض العلماء يسمّيوه “hotspot” للتغير المناخي البحري. حسب ورقة علمية نشرتها مجلة Nature Climate Change سنة 2022، المتوسط يسخن بمعدل 20% أسرع من المعدّل العالمي، مما يخلق اختلال في الكتل المائية، التيارات، وحركة الأمواج. هذا الاضطراب الحراري يؤثر على طبقات الماء. كي يسخن السطح ويبقى العمق بارد، تتشكل “طبقات حرارية” (thermal stratification) تمنع الخلط الطبيعي بين الطبقات. هذا يزيد في تركيز الطاقة على السطح، ويغذّي التيارات الساحلية الخطيرة كيما “التيارات العائدة” أو “rip currents”. التيارات هاذي تتكوّن وقت تتكسر الأمواج بشكل غير متوازن على الشاطئ وتخلق ممرات ضيقة وسريعة ترجع الماء من الساحل لداخل البحر. الممرات هاذي تتكون في أقل من دقيقة، بسرعات توصل حتى 2.5 متر في الثانية – يعني الحكاية تتجاوز قدرات أسرع سبّاح في الوجود .

حسب الإدارة الوطنية الأمريكية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)، التيارات العائدة مسؤولة عن أكثر من 80% من حالات الإنقاذ على الشواطئ الأمريكية. والمشكل إنو الظاهرة هاذي موجودة زادة في البحر الأبيض المتوسط، لكن ما نحكيوش عليها برشا، وما عندناش الوعي الكافي بيها. تقرير من برنامج كوبرنيكوس الأوروبي (Copernicus Marine Service, 2023) أشار إلى أن التغيرات المناخية قاعدة تسرّع في تشكل هذه التيارات، خاصة مع ارتفاع حرارة البحر بأكثر من 1.5 درجة مقارنة بثمانينات القرن الماضي.

في تونس، الأرقام الرسمية تعطي إشارات مقلقة. بين 2021 -2023، وزارة الداخلية سجلت زيادة ملحوظة في حوادث الغرق، خاصة في فترات الموجات الحرارية، وين الناس تهرب للبحر في عزّ السخانة. لكن ما فماش نظام إنذار واضح موجه للمواطنين حول خطورة البحر في الأيام اللي “يبان” هادئ من فوق، لكن التيارات في الأعماق تكون قاتلة. لا فما تنبيهات مبسطة، لا حملات توعوية موسمية تفسّر شنوّا يلزم تعمل كان البحر بدا يشدّك، ولا إشارات واضحة في الشواطئ المفتوحة.

اللي زاد وجع القلب أكثر هالصيف، هو حادثة الرضيعة اللي فُقدت في شاطئ قليبية بعد ما هزها الريح و التيارات البحرية . حادثة تخلّي الواحد يحبس النفس ويدعي، ويقول يا ربي نسمعوا عليها خبر زين. أما في نفس الوقت، لازم نفهموا إنو البحر اليوم ما عادش “هو البحر” اللي كنا نعرفوه. التيارات تغيّرت، الأعماق تغيّرت، والناس ما زالت تتصرف كأنو البحر دايمًا رحيم. الحادثة هاذي، وغيرها، ما هيش مجرد قدر أو “غلطة”، بل نتيجة منظومة كاملة ناقصة في التكوين، في الإعلام، وفي التوقّع.

الإشكال موش في المناخ فقط، بل في الجاهزية. البحر يتبدّل تحت تأثير التغير المناخي، لكن عقلية التعامل معاه ما تبدلتش. لازم نخرجوا من فكرة “الحرارة = اصطياف” ونفهموا إنو البحر ما عادش دايمًا ملجأ، بل أحيانًا فخ قاتل بصمت ، الحكاية ما تنجمش تتحل بردع الناس، بل بالمعرفة، والوقاية، ونظام إنذار مبكر مبني على معطيات علمية مفهومة ومبسطة. هذاكا التحدي الحقيقي قدام التغير المناخي في سواحلنا.

وربي إن شاء الله يحفظنا ويحفظكم، وانتبهوا على أرواحكم وعلى صغاركم، البحر جميل… لكن اليوم ولات فيه مصيدة صامتة

حمدي حشاد”.

قد يعجبك ايضا