د. علي التريكي: أول طبيب أطفال أستاذ استشفائي جامعي بعد الاستقلال بصفاقس

عميد كلية الطب بصفاقس 1990-1996

د. علي التريكي: أول طبيب أطفال أستاذ استشفائي جامعي بعد الاستقلال بصفاقس عميد كلية الطب بصفاقس 1990-1996

كتب رضا القلال 

رحلة د. علي التريكي رحلة مثيرة يتقاطع فيها حب التزوّد بالعلم منذ الصغر، ودراسة الطب وتدريسه، وصولا الى عمادة كلية الطب بصفاقس. وقد اخترق أزمنة وأمكنة وسماوات من مركز الحطّاب بطريق المهدية، الى معهد خزندار بتونس، مرورا بعاصمة النور باريس، والحديث إليه يوقظ ذكريات منسية. الأرض الخصبة التي رعت د. علي التريكي، ورحلة السفر المكثفة من أجل العلم والمعرفة، أفرزت انسانا “كاريزميا” بسيطا ومتواضعا في فضاء قسم الأطفال بالمستشفى الجامعي الهادي شاكر، أو كلية الطب بصفاقس، او داخل الجمعيات وفي نهاية الأمر تجاه زمان ينمحي بسرعة لا توصف. فقد كان د. علي التريكي مشحونا بقلق إنساني على الطفولة الضعيفة، وعلى شريحة المعاقين، وعلى مرضى السرطان، وكان دائما قادرا على التأثير بإيجابية فريدة من خلال امتلاكه هذا البعد الاجتماعي النفسي.

رأى الطفل علي التريكي النور في 1 أوت 1937 بصفاقس. زاول تعليمه الابتدائي بمدرسة الرشاد(1944-1947) بمركز الحطّاب (طريق المهدية كلم7). كان مدير المدرسة آنذاك الحاج محمد شطورو، ومن بين المربّين الذين يستحضر أسماءهم (الحبيب شطورو، محمود الفخفاخ…) ومن أصدقائه بالمدرسة (الهادي مقديش، وأحمد الفقي…)   ثم انتقل إلى مدرسة الشباب(1947-1950) بباب الغربي بالمدينة العتيقة. كان المدير في تلك الفترة محمد الشرفي مراسل جريدة النهضة المحافظة، والمربّين الذين يتذكّرهم (عبد السلام المزغني، الهادي بوحامد، عبد الرحمان المسدي، منصور بن عياد، الحبيب مقديش، محسن بوشعالة…)  ويذكر من زملائه (علي داود، محمد معتوق، محمد الشرفي، أحمد السلامي، حسن العكروت…). توّج هذه المرحلة بالحصول على شهادة التعليم الابتدائي في جوان 1950. انتقل بعد ذلك إلى المعهد الثانوي بصفاقس (الكولاّج) المحاذي لقصر البلدية بباب بحر(1951-1954) أساتذة هذه المرحلة هم (عبد المجيد عطية، الطيب خماخم، المختار شقرون، محمد السلامي، وغيرهم). ومن أصدقاء الدّراسة (عبد الفتاح المعالج، الهادي بالعايبة، الصادق الحداد، محمد الشرفي، حسن العكروت، محمد ادريس، التوفيق الكتاري، علي البقلوطي/مدير شمس الجنوب، أحمد العموري…). رحل علي التريكي الى العاصمة تونس مبكرا وهو ابن السابعة عشر ربيعا ليواصل تعليمه الثانوي بالمعهد الصادقي بخزندار، معهد باردو حاليا. 3 مديرين تعاقبوا على المعهد خلال السنوات الأربع التي قضاها هناك (محمد عطية، الأمين الشابي، أحمد الفاني). تتلمذ على الأساتذة (أحمد عبد السلام، الطيب السحباني، عبد العزيز حرز الله، الطاهر قيقة…)، ومن بين مرافقيه من التلاميذ (أحمد الزريبي، عامر الحرشاني…).  نال الجزء الثاني من الباكالوريا، أو الباكالوريا الفرنسية في جوان 1958، وفي شهر أكتوبر من نفس السنة التحق بالسنة التحضيرية طب بمعهد الدراسات العليا بتونس، وقضى في ذات الوقت سنة قيّما في معهد باردو. وفي سنة 1959 وجد نفسه على مقاعد الدراسة الجامعية بكلية الطب بباريس حيث أحرز على دبلوم دكتوراه الدولة في الطب بدرجة مشرف جدا سنة 1967. وتفرغ بعد ذلك لدراسات تكميلية وتخصصيّة في طب الأطفال ورعايتهم.

د.علي التريكي، د.أحمد الرقيق أول طبيبين عموميين في قسم الأطفال بالمستشفى الجامعي الهادي شاكر

عاد د.علي التريكي الى تونس سنة 1968 ليشتغل طبيبا متعاقدا بالمعهد الوطني لصحة الطفل (مستشفى الأطفال بتونس حاليا) الى سنة 1971 في قسم البروفسور الشادلي التبّان، وعندما نجح في مناظرة أستاذ مساعد في الطب التحق بقسم البروفسور البشير حمزة.  افريل 1976 تحصل على شهادة التبريز، وسمي أستاذا محاضرا مبرزا بكلية الطب بصفاقس سنة 1976 أي سنتين بعد تأسيسها في 2 مارس 1974. في مدينته الأصلية، التي يسمّونها مسقط الرأس أو في اللهجة العامية(لبلاد) كلّف بالإشراف على قسم الأطفال بالمستشفى الجامعي الهادي شاكر مع الدكاترة عبد المجيد الجلولي الذي كان هو نفسه مكلفا بقسم الأطفال من القطاع الخاص، ود. أحمد الرقيق الذي كان أول طبيب مساعد جامعي استشفائي بقسم الأطفال بصفاقس. وبقية المتعاونين بنظام نصف الوقت هم د. رضا الفراتي ود. أحمد السيالة الى جانب د. عيد المجيد الجلولي. كما أشرف د. علي التريكي    على مراكز الصحة الأساسية بكامل ولاية صفاقس، الى ان تسلم قسم الاطفال بصفة رسمية سنة 1980.  وتدرّج د. علي التريكي في مناصب كلية الطب بصفاقس الى ان انتخب عميدا لها في دورتين متتاليتين سنة   1990 وسنة 1993. فقد كان قبل ذلك مدرّسا ومديرا مستشارا لمكتبة الكلية (1977-1990)، ورئيس مجلس الصحة بالمستشفى الجامعي الهادي شاكر(1980-1984).

انحاز د. علي التريكي الى الحياة العامة وانخرط في المجتمع المدني حيث تكشف ورقات سيرته الذاتية عضويّته في فرع عمادة الأطباء بصفاقس (1978-1991)، نائب رئيس لأول مجلس جهوي لعمادة الأطباء بصفاقس (1991-1997).  كما كان رئيس جمعية مقاومة السرطان بالجنوب(1995-2007). ورئيس اللجنة الطبية لجمعية رعاية القاصرين عن الحركة العضوية بصفاقس(1996-2001).

د. علي التريكي: أول طبيب أطفال أستاذ استشفائي جامعي بعد الاستقلال بصفاقس عميد كلية الطب بصفاقس 1990-1996

شهادة أبوين:

د. علي التريكي أول من عرفنا منه علم الاخلاق الطبية، وأهمية خبرة الطبيب ودرايته من خلال سلامة الدياغنوستيك(التشخيص)

عرفت د.علي التريكي عندما كان عميدا لكلية الطب بحكم مهنتي الإعلامية بإذاعة صفاقس وفي الصحافة الجهوية والوطنية، ثم كان طبيب أبنائي، وفي كلّ مرّة أقابله وأحييه يستحضر أسماءهم، ويسأل عن دراستهم، الى أن بدأ مع مرور الزمن يسال عن أبنائهم. كان د. علي التريكي أول من عرفنا منه علم الاخلاق الطبية، واهمية خبرة الطبيب ودرايته من خلال سلامة الدياغنوستيك(التشخيص) كنا نذهب اليه مكلّلين بالانزعاج وأحيانا بالإرهاق أو الخوف. ولكن سرعان ما يظهر قدرة خارقة على امتصاص كل تكدّراتنا. وكانت زوجتي تقول لي “كأنه سكب على رؤوسنا سطلا من الماء البارد”، وهذا يدلّ على أنه شخصية لافتة. كان دوما هادئا يقوم بعمله بلطف وبحسب قواعد (الأتيكاتEtiquette ) الفرنسية الراقية، مع صوت خافت ومطمئن، وصفاء وضوح الرؤية، ومخزون تربوي في علاقة الطفل بالسسيو-ثقافي/Socio-culturel. إنه لا يقول ستة أشياء في وقت واحد، بل يقدّمها واحدة بعد الأخرى. وإذا كان خير الكلام ما قلّ ودلّ كما تنص على ذلك أدبيات الحضارة العربية، فإن د. علي التريكي جمع بين العقل وحب العمل واتقانه، والأخلاق الرفيعة، والطبيعة الهادئة، والتعبير بعفوية.

على سبيل الخاتمة

الحوار مع د.علي التريكي لاشك  يقدم لنا شذرات تاريخية على غاية من الأهمية في تحفيز الذاكرة، قد تكون مدخلا مهما لكتابة تاريخ الطب والعلوم الطبية بصفاقس. من سجل للدكتور محمد عصام البيروتي رحلته  من طرابلس لبنان الى باريس ثم الى صفاقس؟ ، ومن احتفظ للدكتور عبد الحفيظ السلامي بشهاداته؟ كيف نستعيد إذن شريط حياتهما العلمية والطبية المتخمة بالريادة والجهد والتفوق؟ نحن بحاجة الى ايقاظ الذكريات المنسية في كلية الطب بصفاقس لكتابة تاريخ هذه المؤسسة التي لها مسيرة ممتازة في التعليم الطبي وتدريب الأطباء،  وفي الأداء الاكاديمي والتعاون الدولي.  مداد راسخ سكبته كلية الطب بصفاقس علي صفحات التاريخ، ومئات الأطباء بل آلاف  من خريجيها يعملون اليوم بتونس والخارج. علينا أن نستوعب دروس الزمن ونعلم انه اول مادة خام ة هي هذا الشهادات والحوارات التي ينبغي استثمارها  إذا اٍدنا كتابة تاريخ كلية الطب والحفاظ على ذاكرتها، هذه الكلية التي  ستحتفل بيوبيلها الذهبي الذي يصادف مرور 50 سنة على تأسيسها بعد 3 سنوات(2024).

قد يعجبك ايضا