كيف أصبح صندوق النقد أكثر مرونة… وهل تستفيد تونس من الظرف الجديد؟
يطرح الخبير الاقتصادي العربي بن بوهالي تساؤلاً جوهريًا حول إمكانية توجّه الرئيس قيس سعيّد نحو تفعيل المادة 11 من ميزانية 2026 لفتح الباب أمام اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي، في ظرف اقتصادي دقيق تمر به البلاد.
عجز طاقي يستهلك 85% من العملة الصعبة
يمثل العجز الطاقي أحد أكبر التحديات المالية لتونس. فقد بلغ 10,869 مليون دينار سنة 2024 وانخفض إلى 9,200 مليون دينار سنة 2025، لكنه ما يزال يستنزف معظم موارد العملة الأجنبية المتأتية من السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج.
ويشير الخبير إلى أنّ 85% من هذه الموارد تُوجَّه لسداد عجز الطاقة والديون الخارجية، ما يضع البلاد في وضعية مالية خانقة.
تراجع قدرة المانحين التقليديين على الإقراض
يؤكد بن بوهالي أنّ تونس لن تتمكن من الاعتماد على شركائها التقليديين:
- الجزائر تواجه عجزًا في الميزانية بـ 40 مليار دولار سنة 2026، وانخفاضًا في احتياطي العملة وتراجعًا للدينار بـ30% أمام اليورو.
- السعودية تسجل عجزًا بـ 44 مليار دولار.
- ليبيا تعاني عجزًا تجاريًا بـ 7 مليارات دولار وتراجعًا في قيمة عملتها بـ11%.
وبالتالي، لم يعد بإمكان هذه الدول تقديم دعم مالي مباشر لتونس خلال سنة 2026.
تحوّل جديد في سياسات صندوق النقد الدولي
على مدى السنوات الخمس الماضية، وتحت تأثير جائحة كورونا والحرب الأوكرانية، غيّر صندوق النقد الدولي مقاربته تجاه الدول الأفريقية.
يقول الخبير إن الصندوق أصبح يعتمد مبدأ “win-win” دون فرض شروط تقشفية قاسية، بل عبر صياغة برامج تتماشى مع خصوصية كل دولة.
أبرز ملامح النهج الجديد:
- زيادة الحصص بـ50% لتعزيز موارد الدعم.
- برامج تمويل قياسية خصوصًا للدول الأفريقية.
- إعادة توجيه 100 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة نحو الدول الضعيفة.
- برنامج المرونة والاستدامة (RSF) المخصّص لمواجهة تحديات المناخ.
- إصلاحات أسرع لإعادة هيكلة الديون.
- دعم دول مثل جامايكا والسنغال وهايتي ببرامج جديدة أكثر مرونة.
ماذا تكسب تونس من اتفاق جديد؟
يقدَّر أن تونس يمكنها الحصول على ما يصل إلى 3 مليارات دولار بدل الـ1.9 مليار دولار المتفق عليها سنة 2022.
الفوائد المتوقعة:
- معدلات فائدة منخفضة بين 0% و3%.
- تحسين التصنيف الائتماني لتونس.
- فتح المجال لقروض دولية بأسعار تنافسية.
- تخفيف الضغط على التمويل الداخلي وتمكين البنوك من تمويل الاستثمار الخاص.
- بناء احتياطي أقوى من العملة الأجنبية واستقرار سعر الدينار.
- تعبيد الطريق لنمو اقتصادي مستدام وعودة المستثمرين الأجانب.
إصلاحات قامت بها تونس منذ 2022
يرى الخبير أنّ تونس نفذت بالفعل معظم الإصلاحات التي طلبها الصندوق، من بينها:
في المالية العمومية:
- خفض كتلة الأجور إلى 13% من الناتج المحلي الإجمالي.
- زيادة الضرائب بـ7% سنة 2024 وبـ5% سنة 2025.
- تجميد الانتدابات وتشجيع التقاعد المبكر.
- إصلاح منظومة الدعم وتعويضها بالتحويلات النقدية.
على المستوى النقدي:
- الإبقاء على نسبة الفائدة الرئيسية عند 7.5% لكبح التضخم.
- تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي لصالح الطبقات الضعيفة والمتوسطة.
خلاصة: فرصة لإنقاذ الاقتصاد؟
يذكّر بن بوهالي بأن تونس عضو في صندوق النقد الدولي منذ 1958، ولم تتخلف يومًا عن سداد ديونها.
ويعتقد أنّ الظرف الحالي قد يمثل فرصة استراتيجية للرئيس قيس سعيّد للتفاوض حول اتفاق جديد مدته 7 سنوات وبقيمة 3 مليارات دولار، يمكّن من:
- الخروج من حالة الركود التضخمي،
- استعادة ثقة المستثمرين،
- خلق آلاف الوظائف لـ 650 ألف تونسي بلا عمل،
- ووضع الاقتصاد الوطني على مسار أكثر استقرارًا واستدامة.
