أي دور للمهندس في البرنامج الوطني للاصلاحات الكبرى في تونس 2016 – 2020 ؟

عمادة المهندسين التونسيين بصفاقس
عمادة المهندسين التونسيين بصفاقس

نظمت عمادة المهندسين التونسيين وجمعية التونسيين خرّيجي الجامعات الألمانية ومؤسسة ” Konrad Adenauer Stiftung” ندوة وطنية تحت عنوان : ” البرنامج الوطني للاصلاحات الكبرى : أيّ دور للمهندس ؟ ” . وقد حضر الندوة وفد يمثّل العمادة والسيد توفيق الراجحي الوزير المستشار لدى رئيس الحكومة المكلف بمتابعة الاصلاحات الكبرى والسيد وليد بالحاج عمرالمدير العام المساعد لمؤسسة Comete Engineering وعضو المعهد العربي لرؤساء المؤسسات وعدد كبير من المهندسين الذين جاؤوا من مختلف أنحاء البلاد إلى جانب وسائل إعلام تونسية مختلفة .
في قلب قضايا الشأن العام
في الكلمة الموجزة التي ألقاها بالمناسبة أكّد المهندس أسامة الخريجي رئيس عمادة المهندسين التونسيين أن هذه الندوة تدخل في إطار التوجّه الجديد للعمادة الرامي إلى تطوير مساهمتها وحضورها في قضايا الشأن العام في كل ما له علاقة بالهندسة والدور المحوري الذي يلعبه المهندس في المجتمع . وأكد العميد أن الجمهورية الأولى في تونس لم تحرص على تشريك العمادة في الشأن العام واكتفت بالبعض من أبناء الإدارة مما أدّى إلى العديد من الإخلالات التي يعرفها الجميع . وقال الخريجي إن تونس مقبلة على إصلاحات كبرى تقتضي حوارا بنّاء حول الدور الذي يجب أن يلعبه المهندس في تجسيد الإصلاحات وإن الخطوة الأولى للإصلاح تبدأ من هذه الندوة .
دعم ومساندة
من جانبه أكّد السيد ” هاردي أوستري ” ممثل المؤسسة الألمانية ” كونراد ” أن هذه المؤسسة الموجودة في تونس منذ سنة 1982 تدعم بلادنا في هذه المرحلة التي تتطلّب التنمية والنجاح الإقتصادي المرتبط بالنجاح الديمقراطي وأن أهل المهنة أي المهندسين بالخصوص يجب أن يساهموا بالفعل في تجسيد الإصلاحات ووضع البرامج والتصورات إلى جانب المجتمع المدني .
أما السيد محمد رابح رئيس جمعية التونسيين خريجي الجامعات الألمانية فقد أكّد أنه وزملاءه حريصون على المساهمة مع زملائهم في تونس في خلق مجموعات تفكير حول وضع البرامج والتصورات للمستقبل . وقال إن ألمانيا بصدد مساندة تونس في هذه الفترة الصعبة وإنه من المهمّ جدا الإستفادة من التجربة الألمانية في كافة مجالات التنمية والتطوّر الإقتصادي الذي لا يخفى على أحد .
أي منوال تنمية نريد ؟
ومن خلال المحاضرة التي ألقاها بالمناسبة أعطى السيد توفيق الراجحي فكرة عن برنامج الإصلاحات الكبرى 2016 – 2020 . وأوضح أن الجميع يتحدث منذ الثورة عن ضرورة تغيير منوال التنمية لكن المشكل أننا لا نعرف إلى أين نريد أن نذهب وأنه لا أحد أعطى الطريق للذهاب إلى منوال جديد . وتساءل : هل يجب أن نلغي منوال التنمية القديم برمّته أم نغيّر البعض منه ونحافظ على ما فيه من إيجابيات ؟. وبيّن أن مصطلح ” الإصلاحات الكبرى ” جديد في تونس لأننا كنّا نتحدث عن إصلاحات قطاعية فقط . وهذا المصطلح يتعلّق بثقافة جديدة تعني إصلاحات واجبة تهمّ كافة المستويات السياسية والإجتماعية والإقتصادية . وأكّد ان الإصلاحات لا تعني فقط تغيير القرارات والقواعد والإجراءات بل أيضا تغيير عمل المؤسسات . وأوضح الوزير المستشار أن العناصر الأساسية للإصلاحات الكبرى ثلاثة : البطالة والتفاوت بين الجهات واختلال العدالة الإجتماعية . وبيّن أنه يجب تغيير المفاهيم وعلى سبيل المثال يمكن أن نمرّ من مفهوم أن 1 في المائة تنمية يوفّر 17 ألف موطن شغل إلى أن نفس الرقم يمكن أن يوفّر 25 ألف موطن شغل من خلال تغيير السياتسة الإقتصادية .
وأكّد الراجحي أن الإصلاحات الكبرى تتطلب مجهودات كبرى في التطوير التكنولوجي وتحديث التجهيزات وحسن تنظيم العمل وتحسين تمويل الإقتصاد وتطوير الموارد البشرية وتعزيز الأطر التشريعية والإجرائية . وأوضح الوزير أن إعادة هيكلة المنشآت العمومية والرصيد البشري والتعليم بكافة مراحله سيسمح بتحقيق نتائج إيجابية جدا . وبيّن كذلك أن الإصلاحات الكبرى تصطدم بجملة من العراقيل من ذلك أن الجانب الأكبر من الإقتصاد التونسي ما زال يعمل وفق قوانين ما قبل 2010 وأن المشاريع التي تقدّمها الحكومة للحصول على مصادقة مجلس نواب الشعب يصطدم بجملة من الإجراءات والمراحل الطويلة التي تعطّل تنفيذ العديد من المشاريع . وأعطى مثالا على ذلك قائلا إن نواب الشعب تبنّوا منذ 2012 مسألة الشراكة بين القطاعين العام والخاص لكن إلى اليوم لم يقع تطبيق ما جاء في هذا البرنامج بسبب غياب النصوص والتشريعات .
المهندس مقصى منذ قديم الزمان
ومن جهته قدّم السيد وليد بالحاج عمر محاضرة قال فيها إن المهندس كان على مرّ تاريخ تونس مقصيّا بدليل أن أحد البايات كان قد ضمّ في طاقم وزرائه 7 مهندسين لكن لا أحد منهم كان يهتمّ باختصاصه الهندسي . وأكد أن المستعمر كان يسلك سياسة ممنهجة تعتمد على إقصاء المهندس وأن السياسة في تونس اليوم محتكرة من قبل الحقوقيين والإقتصاديين أما المهندس فليس له رأي إلا في بعض الإصلاحات القطاعية . وبيّن بالحاج عمر أن المهندس التونسي له دور لكن ليس له مكان وأن هذا المكان لا يعطى للمهندس إذا لم يسع إلى أخذه وربما افتكاكه . وأكّد أن الإصلاحات الكبرى لا يمكن أن تنجح طالما أننا ما زلنا نعتمد نفس ” الماكينة ” منذ 60 عاما . وعلّل ذلك بتضارب المصالح وتساءل كيف يمكن لوزير الصحة مثلا أن يطوّر قطاع الصحة الخاص أو أن يقوم وزير التعليم العالي بتطوير قطاع التعليم العالي الخاص ؟.
وأكّد بالحاج عمر أنه على المهندس اليوم أن يخوض في المسائل السياسية وأن يكون له الدور الريادي معبّرا عن تعجبه من قيام أيّة وزارة بتنفيذ المشاريع وبمعنى آخر يجب على كل مهندس مباشر أن يكون طرفا في كل ما يتعلّق ببرامج الدراسة والتكوين لأن البرامج التعليمية والتكوينية أدت إلى تراجع كبير في مستوى المهندسين المتخرجين خاصة خلال العشرية الماضية .
ممنوع أن تكون مهندسا
أما المهندس عبد الستار حسني الكاتب العام لعمادة المهندسين فقد أكّد أن المهندس في تونس مقصى ومهمّش منذ 60 عاما وأن تونس شهدت منذ سنة 1837 إنشاء أول مدرسة للمهندسين وهي مدرسة البوليتكنيك بباردو التي تخرج منها مهندسون كبار . وأبرز أن المستعمر الفرنسي سنّ قوانين تمنع التونسيين من تعلّم الهندسة وبالتالي التخرّج برتبة مهندس وأن عدد المهندسين في تونس سنة 1920 مثلا كان في حدود 120 مهندسا درسوا خارج تونس لكنهم شغلوا وظائف أخرى بعيدة عن الهندسة على غرار الترجمة مثلا . وأكّد حسني أنه منذ الإستقلال لم يقع تشريك المهندس أو هيكل مهنتهم في أي برنامج حكومي بما يعني ذلك من إقصاء للعلم والمعرفة والكفاءات . وخلص الكاتب العام إلى ضرورة أن يكون أي منوال تنموي مبنيا على العلم والمعرفة والتقنيات وأن الكثير من هذه الأمور يمتلكها المهندس الذي يجب تشريكه في كافة المسائل المجتمعيّة التي تتعلّق بتونس وأن على الدولة أن تستثمر في اقتصاد المعرفة لضمان النجاح لأي برنامج للإصلاحات الكبرى .

قد يعجبك ايضا