16 جويلية 1881 : حتى لا ننسى التسع مائة شهيد دفاعا عن صفاقس

 16 جويلية 1881 - يوم سقوط صفاقس - الاحتلال الفرنسي - تونس - المقاومة
16 جويلية 1881 – يوم سقوط صفاقس – الاحتلال الفرنسي – تونس – المقاومة

اليوم 16 جويلية 2016 تحيي مدينة صفاقس الذكرى 135 لشهدائها البررة التسع مائة (900) الذين قتلتهم فرنسا وسقطوا في ساحة الوغى مدافعين بشراسة ضد الاحتلال الفرنسي.
قبل الاحتلال ببضعة أشهر طلب محمد الصادق باي من جميع رعياه بالإيالة التونسية قبول الاستعمار بما أنه قبله وأمر بعدم الانتفاضة ضده. ففي تونس العاصمة بعث بعسكره إلى كل سكان العاصمة (المدينة العتيقة) بيتا بيتا طالبا في كل مرة من رئيس العائلة إعادة جملة كانت لأهل العاصمة في أول الأمر مبهمة مرددين بعد العسكري ” أنا راضي بللّي راضي به سيدنا “. صفاقس عكس ما فعلت مدن أخرى بالإيالة، فقد رفضت الانصياع وقبول الاستعمار. جهزت نفسها وضربت موعدا مع التاريخ. مع قلة السلاح والذخيرة ساهم كل أهل مدينة صفاقس كل واحد بمهراس بيته ليُذاب ويُصنع منها مدفعا جديدا. لا يزال هذا المدفع من النحاس موجودا إلى حد هذا اليوم في متحف المدينة.
اقتحم الجيش الفرنسي المحتل أسوار مدينة صفاقس يوم الجمعة 16 جويلية 1881 وتصادم مع بواسل البلد ودامت المعركة ثلاثة أيام وليالي. قتل المحتل كل من حمل السلاح في وجهه. وحسب وثائق الحربية الفرنسية بـ”فانسان” قد سقط في ساحة الوغى 900 نفرا وأُسّر 74 رجلا منهم 66 صفاقسي و7 قراقنة و واحد من المهدية. أدانت المحاكم الفرنسية 17 أسيرا رميا، تسعة من نفس العائلة وهي عائلة “الكشو”. وفرض الاحتلال غرامة مالية على أهل صفاقس قدّرها بستة مليون فرنك فرنسي لجبر الأضرار الحربية والدمار الذي أصاب بيوت الأجانب المقيمين خارج السور شرقا. فكيف يمكن أن تكون المدافع الصفاقسية هي المتسببة في الدمار وهي ترمي بقنابلها في البحر على البوارج الحربية. إذا اعتبرنا أن قيمة الهكتار الواحد في حوض وادي مجردة في سنة 1889 تساوي مائة فرنك فرنسي نرى أن قيمة الغرامة تصل إلى 60.000 هكتار. إذا اعتبرنا حاليا أن الهكتار الواحد يساوي اليوم على أسوء تقدير 20.000 دينار تكون جملة الغرامة ما قيمتها 1200.000.000 دينارا. فالمظلمة التي فرضت على أهل صفاقس تبلغ 1.5 /25 من ميزانية الدولة التونسية لسنة 2013 والتي تساوي 25.000.000.000 دينار.

capture-de-sfax-prise-16-juillet-1881-france

من “المقبول” أن فرنسا تتغاض الطرف من سنة 1881 إلى سنة 1956 على تلك المقاومة الباسلة، والسبب سهل الاستنباط: إنها المحتل، المستعمر لا يريد للشعب أن تكون له ذاكرة. لكن بعد الاستقلال ومع الحكم البورقيبي لم يرض بورقيبة وحزبه الجهوي أن ينصف شهداء تلك المعركة. مازلت أتذكر في صبايا لما روت زوجة أبي حليمة الشعبوني المناضلة في الحزب الدستوري منذ الخمسينات وهي عضوة باللجنة المركزية للحزب الدستوري لما أتى بورقيبة إلى صفاقس سنة 1962 لنقل رفات الشهيد الهادي شاكر في الساحة الموجودة أمام بلدية صفاقس طلب منه أهالي صفاقس أن يطلقوا على تلك الساحة ساحة الشهداء فردّ بورقيبة فورا “اشبيه انتوما عندكم شهداء؟” سكت الجميع، وانتهى الموضوع مع بورقيبة. لكن مع قدوم بن علي إلى الحكم واصل الأمر على نفس المنوال خصوصا ونعلم اليوم أن السيد كمال اللطيف كان بمثابة المستشار الدائم لبن علي، والجميع يعرف ما يكنه هذا الرجل من حب وعشق وشغف لصفاقس والصفاقسية (انظر اليوتيوب حول كمال اللطيف).
ضبط المحتل الفرنسي عند اقتحامه أسوار مدينة صفاقس أربعة رايات كان المجاهدون الصفاقسية يحملونها أثناء الحرب. تعتمد هذه الرايات اللون الأحمر والأصفر والأخضر، وهي معروضة بمتحف القوات المسلحة بباريس. من هذه الألوان اتخذ النادي الرياضي الصفاقسي عند تأسيسه سنة 1928 اسم النادي التونسي (CT) وبدلة رياضية لونها أخضر وأحمر، لكن سرعان ما أتت “اقتراحات” سنة 1962 لتغيير اسمه ليصبح النادي الرياضي الصفاقسي وتغيير تلك الألوان بالأبيض والأسود ربما تحسبا من تشبث أهل صفاقس بذكريات تضحيات وبطولات سنة 1881. أما الملعب التونسي (ST) الذي بعث للوجود سنة 1948 كانت ألوانه الأخضر والأحمر والأبيض وهي الألوان المحبذة عند الباي راعي ذلك النادي.
إلى يومنا هذا لا تحمل المدينة العتيقة “بلاد العربي” علامة أو تذكارا لتلك الملحمة أو اسم أحد أبنائها الشهداء من الذين سقطوا دفاعا عن أسوارها. في عهد البايات أطلق الحسينيون على النهج “زقاق المرّ” ذلك النهج الممتد من أقصى جنوب المدينة إلى أقصى شمالها اسم نهج الباي. لما أتى بورقيبة إلى الحكم عوّض هذا الاسم بنهج منجي سليم. فالبايات استسلموا إلى الاستعمار ومن المفهوم أن يزيل بورقيبة اسمهم من المدينة العتيقة، لكن أهل صفاقس ليس لهم علم ماذا قدم المرحوم المنجي سليم من عمل أو تضحية لصفاقس حتى يجاز بأطول نهج بالمدينة البطلة. كل ما يذكره التاريخ هو أن والد المنجي سليم وهو الجنرال سليم المملوك من أصل يوناني ووزير الحرب عند الصادق باي كان قد رافق الجنرال الفرنسي المحتل “برييار” من حلق الواد إلى معقل الزعيم أين قبل علنا بالحماية الفرنسية. فلماذا لا يطلق على هذا النهج اسم : نهج شهداء عائلة الكشو ؟؟

بقلم الدكتور فاروق الشعبوني أخصائي أمراض صدرية وحساسية

قد يعجبك ايضا