فاق عددهم 39 ألفا : التسول في تونس .. منافسة شرسة بين الحقيقيين و “الدخلاء”

التسول في صفاقس
التسول في صفاقس

أصبحت المناطق الحيوية بالعاصمة والمدن الكبرى تعج بالمحتاجين وأصحاب الإعاقة ممن اختاروا طريق التسول مضطرين بحثا عما يسد رمقهم غير أنهم باتوا يعانون منافسة غير متكافئة مع محتالي الدين تدثروا بدثار التسول بحثاً عن الربح السهل والسريع وهم متسولون مزيفون يتوانون عن استخدام الأطفال والنساء والشيوخ في هذا المجال وهو أيضا ما يسمى بتجارة الفقر.. هذا ما توصل إليه تلميذ الباكالوريا أيمن عبودة من معهد 9 أفريل بصفاقس في دراسة قام بها في إطار مادة إنجاز مشروع.

يعتبر التسول آفة من أكثر الآفات الاجتماعية التي تثير الجدل وتسيء للمشهد الاجتماعي ولسمعة أي بلد.. كما يعد إشكالية شديدة التعقيد اعتباراً إلى أن المتسولين أصبحوا متمثلين لطريقة حياتهم ومتكيفين معالدور الذي يلعبونه في المجتمع والذي يساعد على تشكيل اتجاهاتهم نحو الناس وطريقة الحياة بحيث لم يعد من السهل تغيير اتجاهاتهم كما أنهم ينقلون أنماط حياتهم إلى بعضهم وإلى أبنائهم في سياق عمليات تفاعلهم الاجتماعي مع الآخرين.

ظاهرة في تزايد
ظاهرة التسول تفشت وانتشرت خلال السنوات القليلة الماضية وفاق عدد المتسولين الـ39 ألفا حسب إحصائيات وزارة الشؤون الاجتماعية لسنة 2013 منهم أطفال ونساء ورجال يعانون قسوة العيش وينتشرون في جميع الأماكن العامة من مقاهي ومستشفيات ومساجد ومحطات النقل وأرصفة وغيرها وهذه الظاهرة أصبحت مربكة ومقلقة ومحيرة، فالبعض يرجعها إلى تركة الأنظمة السابقة وسياسة الفقر والتهميش خاصة أن نسبة الفقر في ارتفاع متزايد والبعض الآخر يعتبرها سلوكا إجراميا بامتياز باعتبار أن العديد يمتهنها رغم أن وضعه مرضي وليس في حاجة لجمع الأموال بمثل هذه الطريقة ولعل أحسن دليل المتسولة من معتمدية جبنيانة التي خلفت عشرات الآف من الدنانير اثر وفاتها.

في هذا المجال تتعدد التساؤلات حول دور الظروف الاجتماعية والاقتصادية وتزايد حالات التسول وتدهور القدرة الشرائية تحت وطأة الارتفاع المشط للأسعار وارتفاع مؤشر التضخم مما أفضى إلى تفشي بعض الظواهر المؤرقة على غرار الاحتيال والتسول والجريمة المنظمة.

آراء المختصين
وحسب ما ورد في الدراسة ذكر أحد المختصين في علم الاجتماع أن الظاهرة نتاج لوضعيات اقتصادية واجتماعية على اعتبار أن الطبقة المهمشة ازدادت وأصبح التسول أسهل طريقة لتأمين القوت اليومي، أما عن ازدياد عدد النساء المتسولات بعد الثورة واختفاء الرجال تقريبا فهو اختيار مدروس الغاية منه استدرار عطف الناس والحصول على قدر كبير من المال .وفسر تفشي واتساع شبكات الجريمة المنظمة إلى جانب التهريب والإرهاب وتجارة السلاح وانتشار السلوك الإجرامي بأنواعه فهل يمكن أن نتحدث عن بعدين آخرين لتفشي التسول ا وهما البعد الأمني والبعد السياسي؟

ويفسر خبراء علم الاجتماع انتشار ظواهر التسول بتآكل الطبقة الوسطى وانحدار جزء منها تحت مستوى الفقر فضلا عن تراجع الدور التعديلي للدولة بصفتها راعية المجتمع..

وفي خصوص ظاهرة استغلال الأطفال في عالم التسول أفادت رئيسة جمعية التوعية للطفل والمواطنة أن الأطفال المتسولين ينقسمون إلى 3 أصناف الأول متمثل في الأطفال المتسولين لوحدهم وهم عموما أطفال شوارع والصنف الثاني هم أطفال يرافقون آباءهم أو أحد أفراد عائلاتهم والصنف الثالث متمثل في شبكات وعصابات تسول تستغل الأطفال لحسابهم كما اعتبرت المتحدثة أن فشل سلطة الإشراف في الحد من ظاهرة تسول الأطفال يعود إلى عدم السيطرة على مسبباتها كفشل المنوال التنموي وازدياد نسب الفقر وتدهور المستوى التعليمي.

في الجانب القانوني سن المشرع عقوبات صارمة ضد التسول وصنفها جريمة من صنف الجنح أن العقوبات الجزائية تمثل حلا حقيقيا للظاهرة كما أن الزج بالمتسولين في السجن يساعد على إدماجهم في مجال الجريمة أكثر من ردعهم عنه.

الحل في العائلة والمجتمع
يتمثل الحل الأساسي للتقليص من الظاهرة في التنشئة السوية للأطفال وهي مسؤولية عامة تتضافر فيها كل الجهود باعتبار أن الأسرة هي الخلية والنواة للمجتمع إلى جانب تحميل الدولة مسؤولية تأمين الحماية اللازمة للأسرة من عوامل الضعف والفقر الذي يخلفه تدني الحياة الاجتماعية.

ومن بين الاقتراحات المطروحة:

  • حل قضية أطفال الشوارع وتكاتف جهود الدولة والمجتمع المدني
  • تطوير القوانين بهدف إقرار واجب الإشعار بمختلف انتهاكات حقوق الطفل والتدخل الوقائي.
  • توفير التوعية اللازمة لدعم المناخ الصحي داخل الأسرة بهدف جعلها متجانسة بما ينعكس إيجاباً على الجو النفسي الهادئ للطفل
  • نشر الوعي لدى المقبلين على الزواج بخصوص الواجبات الزوجية وحسن تربية الأطفال
  • إجراءات حجر على المتسولين وجمعهم وتثقيفهم ضمن برنامج عمل متكامل وتلبية الحاجات الأساسية للمستحقين منهم مع التشدد في إلزامية التعليم حتى يستغل الأطفال في امتهان التسول وإبعادهم عن حقل التعليم.

فيصل الرقيق / الصباح الأسبوعي

قد يعجبك ايضا