ياسر جرادي الفنّان الباحث عن “وجه الله” من خلال “الرحلة”

ياسر جرادي الفنّان الباحث عن "وجه الله" من خلال "الرحلة"

لم يتردّد ولم يتوانى عن حمل غيتارته والتوجّه لإدخال الفرحة والبسمة في قلوب الشباب والأطفال و كل من يعترض طريقه في رحلته التي ولئن تنتهي في الزمن مع كلّ عرض موسيقي، إلاّ أنّها رحلة يبدو وأنّها لا حدود لها في عالم الفنّان ياسرجرادي أو بالأحرى هي عوالم طبعت روحه بمفهوم البحث..ربّما عن الذات و ربّما هي عن فضاء رحب وروح أوسع وأشمل لا منتهى لها.

“بريبري”..محطّة الفنان نحو الجنوب

قبل مواصلة طريقه لإحياء عرض موسيقي في منطقة زمّور الجبلية الواقعة غرب مدينة مدنين، على التلّة المشرفة على قرية بني خداش، استوقفته الرحلة بحر هذا الأسبوع بداخل أسوار المدينة العتيقة بصفاقس، في ضيافة شابّة اختارت لفضائها التقليدي أن تجمع فيه بين إرادة الحياة و الإصرار على النجاح ورسم علامتها الخاصّة بها في عالم الأزياء المتميّز بطابع ونكهة مريم البريبري، فجمعت في مرسمها ومشغلها ومكتبتها و داخل هذه الدكانة الثقافية الجامعة ثلّة من الشباب الطامح ليستمتع جميعهم بموسيقى الفنان ياسر في عرض “ياسر محبّة” والإستماع إلى مسيرة فنّان انطلقت بين ثنايا نخيل وواحات قابس التي نضبت مياهها وتلوّث هواء مدينة تاكابس الشهيدة..الضحيّة. في عرض فرجوي أمتع الحضور والمارّة كذلك بين ثنايا المدينة العتيقة استعرض المميّز ياسر جرادي صفحات ملهمة من كتاب حبّ لا ينتهي ربط معانيها بكلمات أغانيه التي رافقت مسيرته بين أرض الوطن تونس ومختلف بلدان العالم التي زارها وقضّى فيها كذلك فترة من الزمن ليبقى معنى العودة والإرتباط بالأرض الأم هي الأصل ولتكون “نرجعلك ديما” إحدى معانيها :

مهما زرعولي الشوك في الثنية

مهما الأيّام حبّت تهرب بيّا

نرجعلك ديما ديما ديما

و نسقي زرعك بدموع عينيا

مهما خنتيني انت عزيزة عليا

ياسر الفنّان، لم يتغيّر، ومنسوب طاقة الحب والأمل والفرح تجاه الآخرلا تتجزّأ بالنسبة له ولا يفوّت فرصة من أجل زرع بسمة في وجه طفل يتطلّع إلى غد أفضل..نعم هي بسمة رسمها في قليبية ذات يوم مهرجان السينما في وجه الطفل يحي ليكتشف لأوّل مرة مع الفنان ياسر قاعة عرض سينما ويختبئ تحت كرسي القاعة ليحمي وجهه البريء من الضوء المنبعث من آلة عرض الفيلم ظنّا منه أنّ حدثا جللا قد حصل ولينطلق هذا الطفل في تصوير فيلم قصير بدقيقة حمل عنوان “يحي سينما”. هو ذلك ياسر جرادي الذي لم ولن يتغيّر ولكن هدفه أسمى وأرقى بأن يكون وطننا خال من القابعين وراء القضبان على أن تكون السينما والموسيقى وكل عمل إبداعي طريقا لتغيير هؤلاء المودعين..هو ذلك ياسر الفنّان الحالم بأن لا تقضي السياسة والسياسيين على آخر آمال أبناء هذا الشعب الحالم.

طريق البحث عن الذات من خلال “وجه الله”

مفهوم “الرحلة” في حياة الفنان ياسرجرادي يعتبر من الأساسيات التي بنى ومايزال عليها جلّ أعماله، كيف لا وهو المتخصّص والعارف بخبايا وثنايا الخط العربي الذي ومع كلّ رسمة يخطّها تحمله نحو عالم جديد ينعكس أساسا على أغانيه ومعزوفاته.

لعلّه ومن خلال الرحلة أو السفر الذي يختاره في كل مرة يصبو نحو الفضاء الواسع سعيا منه للكشف عن خبايا وخفايا لعلّه ينشد عبرها الحقيقة و”مفتاح المعرفة” أو بمعنى أشمل ذلك النور الذي قذفه الله ذات لحظة في نفس من أمن بأنّ ذلك لم يكن “بنظم دليل وترتيب كلام”. رحلة ياسر جرادي التي قضّى زمنا وهو يجوب الجنوب عبر درّاجته الهوائية في صحراء الجريد هي إحدى السبل التي اختارها في طريق البحث عن روح جديدة لا تُقيّده، بل هي بالأحرى رحلة بحث عن وجه ساكن فينا جميعا لا يحبّ أحد منّا أن يتدخّل الآخر في علاقتنا به أو سؤالنا عمّا يخالجنا تجاهه..هي علاقة بحث بـ”وجه الله” في تعبير أشمل مثلما يراه الفنّان ياسر عبر المفاهيم الأساسية والبسيطة لمعنى الدين الحقيقي الذي لايمكن طبعه إلاّ بالتفسير الأصلي والوحيد الذي كانت تُسِرُّ بِهِ أمّهاتنا لنا من أنّ الله جميل وبسيط ويحبّنا. ذلك هو “وجه الله” الذي ينشده الفنان ياسرجرادي من خلال رحلته التي ما إن تنتهي بمحطة إلاّ وتعقبها أخرى في سبيل هذا الطريق.

صابرعمري

قد يعجبك ايضا