صفاقس: الهادي المزغني في ذمة الله
فقدت الساحة الإعلامية في تونس عموما وفي صفاقس خصوصا، يوم الجمعة الفارط، الاذاعي الهادي المزغني بعد مسيرة مهنية حافلة بشتى العطاءات للمصدح والكاميرا جهويا ووطنيا.
لقد كان الفقيد سي الهادي ابن الاذاعة والتلفزة التونسية : اذاعة صفاقس ووحدة الانتاج التلفزي بصفاقس.
رحل سي الهادي المزغني اليوم الجمعة 12 جانفي 2024 فجأة.. هو الذي ظل إلى آخر أيام حياته متعلّقا بالبيت الكبير الذي نشأ فيه وأعطاه عصارة شبابه وسنوات غير قليلة من كهولته. كان إلى آخر أيامه متعلّقا بالمؤسسة، يتابع أخبارها.
في مطلع السنوات الستين، وجد المرحوم عبد العزيز عشيش وهو يتابع مشروعه الجميل الذي دشّنه في 8 ديسمبر 1961، في سي الهادي المزغني الشاب المتحمّس، صاحب الصوت الجميل فضمّه على الفور إلى أسرة المنتجين والمنشطين فكان برنامج ” بين النوادي والمسارح ” من بواكير ما أنتج، وفيه كان ينقل الحفلات والمسرحيات وسائر الأنشطة الثقافية والشبابية.
السيدة سيّدة القايد، قيدومتنا، متّعها الله بالصّحة، تحدثت عن برنامج آخر عرف به هو ” في السينما.. مع الهادي المزغني “، ذلك ان الرجل كان موعودا كذلك للصورة وتحديدا الصورة التلفزيونية، فإذا هو ينتقل إلى العاصمة ليسهم في إطلاق التلفزة التونسية أواسط الستينات، مستفيدا من تكوين تلقاه في الديوان الفرنسي للإذاعة والتلفزيون ORTF بفضل وتشجيع من القائمين على الشأن التلفزي والإعلامي آنذاك المرحومين الشاذلي القليبي ومحمد مزالي.
يقول توفيق الحبيب في مجلة “ليدرز “محيّيا سي الهادي المزغني، إنه ” كان ضمن فريق الروّاد المؤسسين ” للقناة التونسية الوليدة إذ التحق بمحمد المغربي وحسن العكروت ، وكان من الوجوه الأولى التي حملت للشاشة الصغيرة ” نفسا شبابيا ومسحة من الحداثة والفكر الطلائعي “، خصوصا في برنامجه ” من هنا وهناك”، فضلا عن إنتاج بعض الوثائقيات، وتنشيط الحفلات المتلفزة للفرقة الموسيقية لإذاعة صفاقس.
عاد الفقيد سي الهادي المزغني إلى مسقط رأسه أواسط السبعينات، فعانق المصدح مرة أخرى وكان البرنامج الليلي الشهير ” بين الشمال والجنوب ” الذي نشطه مع البشير رجب، علامة بارزة في مسيرته الإذاعية، وقد ازداد ذلك البرنامج صيتا بميلاد إذاعة المنستير إذ أصبح ” بين الشمال والوسط والجنوب “، وكان أن التحق علي الشملي وصالح بيزيد بالثنائي المنتج.
بتراكم التجربة، ارتقى الفقيد سي الهادي المزغني إلى صف الإطارات المسيّرة لقيدومة الإذاعات الجهوية، هو الذي يحذر عادة المناصب الوظيفية، فتحمّل مسؤولية مصلحة المتابعة والبرمجة والبث في الثمانينات وسعى فيها إلى تطوير المضامين شكلا ومضمونا خصوصا عبر توسيع مساحات البث المباشر، وتشجيع البرامج الموسيقية والشبابية، من ذلك البرنامج الشهير ” أنغام عالمية” لعبد الجبار العيادي، رفيق دربه وصديقه.
بنفس هذه الروح المؤسسة والمجدّدة، باشر الرّجل العمل بوحدة الإنتاج التلفزي بصفاقس عندما وقع بعثها في 17 ديسمبر 1989 في إطار التعاون مع مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيطالية Rai، وما من شك في أن إشرافه على تلك الوحدة يعدّ من أسباب تحولها في التسعينات وفي مطلع السنوات 2000 إلى مركز رديف للإنتاج التلفزيوني الوطني، في مجالات الأخبار والرياضة والوثائقيات والأعمال الدرامية والمنوعات، ومن أسباب انفتاح باب التلفزيون لعدد من الوجوه الإذاعية والمبدعين، من بينهم على سبيل الذكر ابتسام المكور ونجيبة دربال والأسعد الجموسي.
واعتبارا للخصال الإنسانية العالية للفقيد سي الهادي هو الهادئ فعلا، الكتوم، المتواضع، حاز مكانة في قلوب جميع زملائه وزميلاته، وكان من الطبيعي أن يكون هو المبادر إلى بعث نادي إذاعة صفاقس للرياضة والثقافة والترفيه في 15 جوان 1977 وأن يكون أول من ترأسه، متيحا لأجيال من الإذاعيين فرصة ممارسة الرياضة وخاصة منها كرة القدم.
كان الرجل في كل هذا وسيما أنيقا، حالما على الدّوام بما هو أجمل، ولعل الوسامة هي الصورة التي نحتفظ له بها، إنسانا حلو المعشر وإعلاميا موهوبا، أحب الإذاعة وكان مشغولا بالتلفزة، وفي كلتيهما كان ناجحا ومعطاءا.
تقبله الله بواسع رحمته وكريم غفرانه ورزق أهله وزملاءه وزميلاته جميل الصبر والسلوان.
إنا لله وإنا اليه راجعون
نص زهير بن حمد بتصرف