صفاقس تبكي مربية فاضلة… بين ظلم القانون وصمت العدالة
في مدينة صفاقس، التي عُرفت بطيبة أهلها وحرصهم على العلم والتربية، شهدت البارحة، الإثنين 6 أكتوبر، حادثة مؤلمة تمسّ الضمير الإنساني قبل أن تمسّ القانون. بطلتها مربية فاضلة، عُرفت بين زملائها وأبنائها التلاميذ وأهالي المدينة بنزاهتها ودماثة أخلاقها، وبتفانيها في أداء رسالتها التربوية على أكمل وجه.
هذه السيدة التي كرّست حياتها لتربية الأجيال وتعليم الصغار قيم الأخلاق والعلم، كانت تملك في السابق حضانة مدرسية ناجحة، أُغلقت لاحقًا لأسباب خارجة عن إرادتها. لكنها لم تستسلم، فعادت لتُكمل طريقها بشرف كأستاذة مدارس ابتدائية، تسعى جاهدة لتأمين حياة كريمة لأبنائها بجهدها وعرق جبينها.
ورغم كل ما واجهته من صعوبات، صدر ضدها حكم مالي محلّ شكّ في عدالته. ومع ذلك، احترمت القانون وأبدت امتثالها الكامل له، وبدأت بتسديد المبلغ المحكوم به بانتظام — خمس مئة دينار شهريًا — دون تلكؤ أو تهرّب.
لكنّ ما حدث لاحقًا تجاوز كل منطق وعدل. فقد تحرّكت الجهة المشتكية بسرعة غير مسبوقة، عبر محامية قريبة من صاحبة العقار، واستصدرت في ظرف يوم واحد إذنًا بحجز سيارتها. الأكثر غرابة أن التنفيذ تمّ من طرف مركز أمني ليس من مرجع نظر المنطقة التي تسكنها المربية، في خرقٍ واضح للإجراءات القانونية المتعارف عليها.
والأدهى من ذلك، أن عملية الحجز تمّت ليلة الإثنين عند الساعة الحادية عشرة ليلًا (23:00)، في وقتٍ يثير الاستغراب والدهشة. ورغم كل القسوة الظاهرية للإجراء، تجدر الإشارة إلى أن الأعوان المكلفين بتنفيذه كانوا ملتزمين بأقصى درجات الأخلاق، وحاولوا القيام بواجبهم بحذر واحترام للكرامة الإنسانية، وهو ما يرفع جزءًا من الظل على هذه الواقعة المؤلمة.
فهل كانت هذه المرأة الإرهابية الخطيرة التي تستوجب المداهمة ليلًا؟ أم هي مجرمة هاربة تستحق الإذلال أمام أطفالها؟ أم أنها ببساطة مربية فاضلة لم تجد في دولة القانون سوى قسوة الإجراء وتجاهل الرحمة؟
لقد جرى الحجز أمام أعين أطفالها الذين وقفوا مذهولين، بين الدهشة والخوف والبكاء. كان المشهد قاسيًا، موجعًا، لا يليق بامرأة أفنت عمرها في تربية الأجيال، ولا يليق بدولة القانون التي يُفترض أن تحمي كرامة الإنسان قبل أن تُطبّق عليه نصوص القانون.
وفي خضم كل هذا الألم، وجّهت المربية نداءً صادقًا إلى فخامة الرئيس قيس سعيد، ناشدة العدالة والرحمة، ومطالبة بالتدخل لوقف ما وصفته بالظلم الجائر الذي لحق بها وبكرامتها، حفاظًا على شرف المهنة التربوية وكرامة الإنسان في تونس. قالت في رسالتها: “يا رئيس الجمهورية، أنا امرأة أفنيت حياتي في تعليم أبنائكم، ألا تستحق إنسانيتي وكرامتي أن تُحترم؟ ألا يحمي القانون الأبرياء من قسوة الإجراءات؟”
هذه الحادثة لم تهزّ بيتًا واحدًا فحسب، بل هزّت وجدان مدينة بأكملها. كيف يمكن أن تُهان مربية فاضلة بهذا الشكل؟ كيف تُعامَل من كرّست حياتها لبناء العقول الصغيرة، كأنها مجرمة تُقتحم سيارتها ليلاً؟
إنّ ما جرى لا يمكن اعتباره مجرد خطأ إداري أو تجاوز فردي، بل هو جرس إنذار يدعو كلّ من يحرص على العدالة والكرامة الإنسانية إلى الوقوف وقفة صدق وتأمل. فحين يصبح القانون سيفًا في يد الأقوى، ويفقد الإنسان الطيّب حمايته، نكون قد دخلنا مرحلة خطر على ضمير المجتمع نفسه.
ومن هنا، فإنّنا نوجّه نداءً صادقًا إلى السلط القضائية والإدارية والحقوقية، لفتح تحقيق جادّ في هذه الحادثة، وإعادة النظر في مثل هذه الممارسات التي تمسّ شرف المهنة التربوية وكرامة الإنسان.
فالمربّون هم من يصنعون مستقبل هذا الوطن، ومن يُربّون أبناءه على العدالة والرحمة والصدق.
فكيف نُعلّم أبناءنا الكرامة… ونحن نرى مربيّتهم تُهان دون أن يتحرّك أحد؟
القراء يكتبون
بقلم سامي
