أميرة بوزيد: تداعيات الحرب الاقتصادية بين الصين وأمريكا على النظام العالمي
يشهد تاريخ البشرية أن القوى العالمية لا تبقى ثابتة على المدى الطويل فمع تغيرات مجريات الأحداث يسطع نجم ويأفل آخر.
وبعد الحرب العالمية الثانية سطع نجم الولايات المتحدة الأمريكية كقوى اقتصادية وسياسية وعسكرية وتكنولوجية عظمى جاب نفوذها العالم لسنوات حتى ظهر العملاق الصيني كمنافس شرس لها في السنوات الأخيرة حيث أصبحت الحرب الاقتصادية بين الصين وأمريكا موضوع الساعة.
فقد بات تفوق الصين جليا مع ارتفاع معدلات استهلاكها للطاقة التي بلغت اكثر من ضعف استهلاك الولايات المتحدة الامريكية بغاية تطوير بنيتها التحتية الصناعية. حرصت الصين على التفوق في جميع أنواع الصناعات التي غزت كبرى الأسواق العالمية وخاصة الصناعات التكنولوجية والتكنولوجيا العسكرية وصناعة السيارات التي أصبحت تمثل تهديدا حقيقيا للشركات الامريكية و العلامات التجارية العالمية.
لكن كيف أصبح للتفوق الصيني دورا في تغيير الاحداث الجيوسياسية الراهنة؟
تشعر الولايات المتحدة بتفاقم ازمتها الاقتصادية امام تمدد التكنولوجيا الصينية فقد تسبب تطور صناعات الذكاء الاصطناعي الصيني في هبوط حاد في اسهم الشركات الامريكية المنافسة إضافة الى انهيار سوق اسهم شركات السلاح اثناء حرب الهند وباكستان أين تفوقت الطائرات الشبحية الصينية من الجيل الخامس المستخدمة في باكستان على طائرات الرافال الفرنسية وانضمة الدفاع الجوي الروسية والأسلحة الامريكية المستخدمة في الهند وهو ما جعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتدخل لإيقاف المواجهة المسلحة بين الهند و باكستان التي تحولت لساحة دعاية للسلاح الصيني.
كما سارع الرئيس الأمريكي في اتفاقية التزود بالمعادن النادرة من اكرانيا التي ستوظفها في الصناعات التكنولوجية، مقابل دعمها عسكريا وهو ما سيعزز إمكانيات أمريكا في التصدي للهيمنة الصينية. ومن ناحية أخرى، يرى الرئيس الأمريكي أن المصالح الامريكية اليوم تقتضي عدم الانغماس في الحروب والوصول الى اتفاق مع الحوثيين لإيقاف هجماتهم على السفن الامريكية وهو ما سيلبي طلبات الخليج في تهدئة الأجواء في البحر الاحمر ويسمح بفتح باب المفاوضات مع ايران في شأن برنامجها النووي.
وجد ترامب في أموال الخليج أهم سلاح في حربه الاقتصادية على الصين أين عمل على الضّفر بأهم الاتفاقيات الاقتصادية وكسب التحالفات الاستراتيجية مع دول الخليج وتوطيد العلاقات مع المملكة العربية السعودية التي دعته لإيقاف الحرب والتصعيد العسكري في غزة. و لإبعادهم عن صفقات التسليح الصينية، عمد ترامب لإبرام اتفاقية التسليح مع المملكة العربية السعودية بـ142 مليار دولار لتزويدها بأحدث المعدات العسكرية و تمكينها من برنامج التعاون النووي المدني دون قيد التطبيع مع اسرائيل لتطوير اعتمادها على الطاقات البديلة وتقليل الانبعاثات.
إضافة إلى اتفاقيات في مجال تطوير نظام الدفاع الجوي باتريوت والطيران والرعاية الصحية و الذكاء الاصطناعي بلغت قيمتها 600 مليار دولار.
أما عن الامارات، فبلغ حجم اتفاقياتها الاقتصادية مع أمريكا تريليون و400 مليار دولار حيث ارتكزت بالأساس على انشاء مدينة ومركز بيانات للذكاء الاصطناعي و الحصول على الشرائح الالكترونية التي طالما عمدت شركة انفيديا الامريكية على الاحتفاظ بسرّيتها خوفا من التقليد الصيني لها.
أما الصفقة مع قطر فقد بلغت تريليون و200 مليار دولار أهمها صفقة شراء 210 طائرة من شركة بوينغ الامريكية لإخراجها من الازمة المالية التي تمر بها اثر حادثة انفصال باب طائرة من شركة بوينغ وهي تحلق مما أدى الى إصابة أربعة ركاب وضرب أسم الشركة في سوق صناعة الطائرات، إضافة الى صفقة تسليح لفائدة قاعدة العديد العسكرية.
عمل ترامب على انقاذ اقتصاد الولايات المتحدة الامريكية بدلا من الدّعم اللامتناهي للحروب، والى تضييق الخناق على الصين واستقطاب الحلفاء والاتفاقيات الاقتصادية التي من شأنها ان تعوض الخسائر المادية وتخلق وظائف جديدة للمواطنين الأمريكيين الذين سيعتبرونه المنقذ الذي سيعيد بلده للتربّع على عرش التكنولوجيا والهيمنة.
كما ساهمت معركة ترامب من استفادة دول الخليج وتمكّنهم من تحويل صورتهم النمطية والخروج من جبّة الاقتصاد المعتمد بالأساس على تصدير البترول الى اقتصاد قائم على التكنولوجيا والاستثمارات الضخمة ذات طابع سيادي على المنطقة.
لكن هل ستنجح مساعي ترامب في ظل تطور متصاعد للصين خاصة وأن شركة هواوي الصينية للاتصالات تعمل على تطوير الرقاقات الالكترونية وهي المكوّن الأساسي في الصناعات التكنولوجية ؟
أميرة بوزيد: باحثة في الاقتصاد بكلية العلوم الاقتصادية والتصرف بصفاقس