تونس تتدحرج شيئا فشيئا نحو المديونية المفرطة : بقلم جيهان مقني

جيهان مقني
جيهان مقني

تحتاج تونس على غرار العديد من الدول إلى تمويل التنمية فيها و الحد من عجز موازناتها، و تلجا على هذا الأساس إلى المديونية لدفع عجلة الاستثمار. غير أن الركود الاقتصادي و تراكم الديون وهبوط الدينار يدفع بالبلاد شيئا فشيئا إلى حافة الوقوع في فخ أزمة المديونية المفرطة. و لتفادي هذه النكسة فان الأمر يتطلب إدارة جيدة و تعامل فعال مع هذا المشكل الحارق في سبيل إيجاد حلول مناسبة لواقع المديونية التونسية الناتجة عن ارتفاع كلفة السلع المستوردة و تراجع سعر الصادرات وعن كل ما ينجر عنه من عدم توفر السيولة و ارتفاع التضخم وبالتالي تبعثر البنية الاقتصادية برمتها.
و حسب معطيات التقرير المتعلق بالتوازنات العامة للمالية العمومية و حسب تفاصيل قانون المالية فان جل القروض في تونس و لاسيما الخارجية التي تم التعاقد في شانها خلال السنة الحالية قد خصصت لسداد عجز الموازنة أو لخلاص أقساط ديون سابقة و ذلك بالنظر لتواصل تراجع الصادرات و اشتداد تفاقم عجز ميزان الدفعات. و لعل ما يجعل الامر قد بلغ مرحلة دقيقة هو تأكيد بعض الخبراء على ثقل خدمة الدين المنتظر تسديدها ابتداء من سنة 2017. و ما هذا إلا أن يكون من العلامات الكبرى لدق ناقوس الخطر و قيام ساعة الاصطدام بالجليد.

وفي هذا الصدد تتمثل مهام الإدارة الفعالة والجيدة للمديونية في رسم سياسات المديونية و إستراتيجيتها و سن القوانين بالتناسق مع سياسات الإدارة الاقتصادية التي تحدد مستوى الاقتراض و الذي يتأثر بدوره بمستوى التدفقات التي تستطيع الدولة استخدامها. و بذلك يكون لإدارة المديونية بعد اقتصادي مرتبط بالسياسات وحشد الموارد و نقصد هنا التوازنات الكلية التي تأثر و تتأثر بمستويات المديونية و مؤشراتها، وأيضا بعد إداري عملي يتعلق بالتدوين و التحليل و المراقبة. و قد نجد وحدات مختلفة كوزارات المالية و البنوك المركزية تنفذ بعض هذه الوظائف التي يمكن أن تتداخل فيما بينها أو تقوم بها وزارات أخرى.

و أمام هذا الانسداد تقتضي الوضعية الراهنة للمديونية التونسية من ناحية مبدئية النظر بعمق في واقع التداين التونسي و طرح مشروع إعادة جدولة بعض القروض و إعادة طرح مشكل التداين المجحف و المشط للبلاد في المستقبل خاصة مع شركاء تونس الاستراتجيين و نخص بالذكر فرنسا و ألمانيا و اليابان و الاتحاد الأوربي.
فعديد الأصوات تتعالى يوما بعد يوما لتحذر و تنبأ بضرورة مراجعة سياسية المديونية و ضرورة التعامل الفعال مع مسالة الدين العمومي التونسي الذي ازداد بنسق مرتفع خلال السنوات الأخيرة إذ يرى عديد المختصين أن مخزون التداين التونسي ارتفع بنسبة 18 بالمائة و أن حاصل التدفقات أي الفارق بين الديون الجديدة المتحصل عليها و خدمة الدين في منحى سلبي تصاعدي.
و يجدر التذكير انه و حسب إفادة العديد من الاقتصاديين و المتخصصين في المديونية فان تونس قد سددت طيلة الواحد و العشرين سنة الفارط لدائنيها لا فقط الأموال المقترضة و المتكونة من الأصول و الفوائد فحسب بل كذلك ما يزيد عن 6534 (م.د) و هو ما يوافق حاصلا سلبيا سنويا قيمته 284 (م.د) و من المرشح أن تزداد الوضعية تدهورا خلال السنوات القادمة في ظل غياب حلول بديلة و مناسبة لحل مشكل الضغط الناشئ عن للتداين و تأثيره المباشر على التوازنات المالية و الشرايين الاقتصادية وأداء المؤسسات المالية و الصناعية.
و يفرض الظرف الحالي على السلط المالية و النقدية بالبلاد الأخذ بزمام الأمور و التصرف بحكمة و مسؤولية في مسالة التداين و يكون ذلك بإعادة تنظيم عمليات الديون بعمق و هو ما يندرج في إطار الإدارة الجيدة للمديونية الخارجية و الداخلية والتي تتضمن:

  • الاقتراض الخارجي
  • الاقتراض الداخلي
  • الصكوك
  • الاكتتاب الوطني

حيث يمكن في هذا الاتجاه لأي دولة مدينة بصفة متوسطة على غرار الدولة التونسية ان تنزلق أليا و تتحول بصفة مباشرة إلى دولة مفرطة التداين في السنوات القادمة ما لم تتحسب وتتدارك هذا الأمر عبر آلية إعادة هيكلة المديونية و تحويل قسم منها إلى استثمارات محلية. و يمكن الاستئناس في هذا الصدد بتجارب مصر و بولونيا و هما بلدان تمتعا بشطب 50 بالمائة من ديونهما في سياق مفاوضات نشطة و بناءة لتجنب التعثر فيما يهم الالتزامات المالية و السعي نحو تخفيض المخاطرة أو تخفيف تكاليف الدين.
و ينبغي على هذا الأساس ضرورة التعاطي مع مسالة إعادة تنظيم المديونية في صيغة اتفاقات ثنائية مع الدائننين لتغيير حدود التفاوض في الشروط المتفق عليها سلفا و التي تخص إعادة الجدولة، الإسقاط، إعادة التمويل، مقايضة الدين و الدفع المسبق. و في هذا الاتجاه فقط يمكن لنا التخفيف من المشاكل الحارقة و على رأسها السيولة وضمان الاستدامة في التعهد بالمدفوعات المستقبلية قبل السقوط في خانة الدول ذات المديونية المفرطة و تسجيل هبوط جديد للدينار ينجر عنه بصفة الية عدم تلبية حاجيات تونس من القروض قصيرة المدى.

بقلم جيهان مقني
.

قد يعجبك ايضا