أزمة اعتصام الجامعة كما عاشها الجامعيون بصفاقس

جامعة صفاقس
جامعة صفاقس

بين المندّد و المرحّب والمستغرب و المندهش و النّاكر و المستنكر انقسم الجامعيون في صفاقس تجاه ما قامت به نقابة أساتذة التعليم العالي من اعتصام بمقر رئاسة الجامعة. المطالب المضمونية قد ترقى عند البعض إلى درجة الاحتجاج و الإضراب وربما الاعتصام وعند البعض الآخر هي مطالب طلابية كان أولى باتحادات الطلبة أن تنشط في هذا المضمار لتضمن تقسيما عادلا لمنح التداول للمرحلة الثالثة. لكن الآراء أجمعت أن شكل الاعتصام جاء مخالفا للقوانين المعمول بها و يفتقد التراخيص اللازمة وفق الآجال المحددة التي عادة ما يرتبط بها اتحاد الشغل.
انطلقت الحكاية لما تملصت كلية العلوم من تفاوض مباشر مع النقابة الأساسية بخصوص تحديد مقاييس إسناد منح التداول فانتقل الإشكال إلى أروقة الجامعة أين أمضى رئيسها بمعية الوفد النقابي على محضر اتفاق يشعر الكلية بضرورة التناغم مع المنشور الوزاري في الغرض و يدعوها إلى التواصل مع رئاسة الجامعة في إطار تطبيق هذا الاتفاق لمزيد من الشفافية و ضمان تساوي الفرص أمام طلبة مرحلة الدكتوراه. لعل بطء تنفيذ الاتفاق كان الدافع الأساسي لانطلاق الاعتصام لمّا طالب الكاتب العام للنقابة بقائمة الطلبة الممنوحين مباشرة فجوبه بطلب إيداع مطلب في الغرض وفق الآجال المحددة كما يقتضيه القانون. هنالك انطلق اعتصام النقابة في سابقة أولى لم تحدث من قبل بجامعة صفاقس.
اشتدت الأزمة لمّا استقر الرحال بمكتب رئيس الشؤون الطالبية ثم انتقلت النقابة الى مكتب رئيس الجامعة الذي غادره بدوره الى مكتب آخر ليقوم بأعماله بعيدا عن ملفاته وحاسوبه ومعطيات كثيرة احتواها المكتب. هنالك عجّل رئيس الجامعة في دعوة مجلس الجامعة لاتخاذ التدابير اللازمة لايجاد مخرج لهذه الأزمة التي بدأت تداعياتها تظهر اذ ارتفعت أصوات هاوية بتطبيق القانون واستدعاء الأمن لاخلاء المكتب دون قراءة لما قد يحدثه الصدام مع القاعدة الأستاذية و أصوات متعقلة و هادئة و رصينة حاولت رفع الحرج عن رئيس الجامعة بمقاسمته القلق وشد أزره في هذه المحنة العصيبة.
انعقد إذن مجلس الجامعة بحضور أغلب أعضائه ليطرح الاشكال أمام الجميع ويتبادل الرأي فيه بعد فشل المبادرات الفردية التي حاولت اقناع الطرفين بالعدول عن التصعيد و انهاء الاختلاف بينهما. وفي خطوة ثابتة انبثق عن المجلس لجنة خماسية للتواصل مع المعتصمين و لمحاولة صياغة حل توفيقي بعد أن فوّض لها التحدث باسم المجلس في اطار خطوط حمر كانت قد سطرت بداية ولعل ابرزها إخلاء مكتب رئيس الجامعة. لقد كانت اللجنة قاب قوسين أو أدنى من حل يحفظ ماء الوجه و يلبي رغبات الطرفين ولكن التلكأ و التشبث ببعض المفردات في محضر الاتفاق حال دون الامضاء فتأجل الأمر الى الغد بعد أن نال التعب من اللجنة و من كافة أعضاء المجلس. كانت سترسم ليلتها اشراقة مضيئة تعبر عن وعي و حكمة الجامعيين لا سيما في حل خلافاتهم بالتفاوض البناء بكل ديمقراطية مسؤولة بعيدا عن تدخل السلط و تعليمات الادارة المركزية. كان تمرينا للحكم المحلي و للحوكمة “الداخلية” و محاولة لادارة الاختلاف بعقلنة و تبصّر ودون حسابات انتخابية وفئوية وفكرية ضيقة. ليلتها رفعت علامات النصر و وثّق احتفال “الأرز” بالفيديو ثم نشر على المواقع الاجتماعية فانتشر كما ينتشر اللهب في الهشيم لا سيما بعد أن تفننت أطراف في الاشهار والتشهير لمقطع الفيديو المشؤوم فانقلبت كافة المعطيات و أعلن فشل المفاوضات ثم دعي المجلس للانعقاد مجددا.
هنا تملص المتملصون من مسؤولياتهم بعد أن أصدروا جعجعة فارغة لا تخوّلهم لإدارة أزمات نقابية وطلابية مماثلة و نأووا بأنفسهم عن مجلس الجامعة المفتوح فغاب البعض وقاطع البعض الآخر بعد أن اختاروا وضع النعامة لولا تدخل اتحاد الشغل بثقله ليتفاوض مع المعتصمين و يجد مخرجا يحفظ هيبة الجامعة والجامعيين ويعد بعدم تكرار مثل هذا الشكل الاحتجاجي ثم يمضي مع من حضر مجلس الجامعة بيانا يثمّن دوره في حلحلة الأزمة وشجبه لهذا الاعتصام بعد الاتفاق على حفظ القضية العدلية واتخاذ التدابير الإدارية التي تفرضها الحادثة.

الاستاذ حاتم الكسيبي
المعهد التحضيري للدراسات الهندسية بصفاقس
عضو مجلس الجامعة

قد يعجبك ايضا