كريم الغربي، شكرا و أفّ .. بقلم أحمد البهلول

أحمد البهلول
أحمد البهلول

لنتفق بداية أنّ الناس فيما يعشقون مذاهب و أن الأذواق الفنية مسألة نسبية و لا يحقّ لأيّ كان أن يمارس وصاية عليهم، ذوقية جمالية كانت أو أخلاقية. لنتفق أيضا أنّ مشهد مسرح سيدي منصور مزدانا بالآلاف من روّاده لا يغيض إلا عدوًّا كارها للفرحة و الحياة. لنتفق أخيرا أن برمجة عرض ناجح جماهيريا من طرف هيئة مهرجان صفاقس الدولي و إحكام تنظيمه لوجيستيا لا يمكن إلا أن يحسب لها و يسجل لصالحها. أبتدئ حديثي بهذه الملاحظات حتى لا أرجمَ غيبا أو علانية بالصيد في مياه سيدي منصور العكرة…و حتى لا يجد “المعطّلون” عن الكتابة إلا في الفيسبوك ، ما يجترّونه في خلفياتي و نواياي…عن عرض كريم الغربي سأتحدث، و كل التأويلات مرآة لقلوب أصحابها.
مع صعود كل ظاهرة كوميدية في تونس، فإني أحترز و أتحفظ عن الحكم على نجاحها أو فشلها سريعا، و أنتظر ريثما تسنح لي فرصة مواكبة إحدى عروضه و الوقوف على درجة إقناعه و تمكنه نصا و أداءً. كريم الغربي الذي شغل الناس بسكاتشاته و بسيتكوم دنيا أخرى على الحوار التونسي، كان ليلة الجمعة في صفاقس أمام اختبار حقيقي لإمكانياته كمسرحي تلقى تكوينا أكاديميا في الفنون الركحية، ليثبت أن ما حققه من جماهيرية ليس صنيع الصدفة و العبقرية التلفزية لسامي الفهري. لننطلق من موضوع عرض “ماهوش موجود” أو القضية التي يعالجها…و هي استعراض مختلف المحطات التي مرّ بها بها منذ طفولته, مرورا بفترة بطالته، وصولا إلى دخول عالم الشهرة و الأضواء. كل ذلك كاد يضيع أمام كثرة الاستطرادات و الفواصل و الأقواس التي فتحها كريم الغربي و التي وجد صعوبة في تجاوزها و العودة إلى الموضوع الرئيسي للمسرحية. من المسائل التي توقف عندها الغربي هي مسألة الكبت الجنسي، و هو أمر يبدو بديهيا إذا ما تعلق بالحديث عن خصوصية مرحلة الشباب.، إلا أن طرح هذه المسألة في مسرحية “ماهوش موجود” لم يخل من الإسقاط و المباشراتية و الارتجال…استحضار مجاني و متعسف و متكرر للصور الجنسية في أغلب السياقات و مع كل الشخصيات؛ مع صديقته الصغيرة في المدرسة، في صالون الحلاقة مع الحرفاء و الزملاء و صاحبة المحل، مع أخته التي اختصر علاقتها مع خطيبها في ممارسة الجنس، مع جده المتصابي الذي يدمن مشاهدة الأفلام الاباحية حتى توفي محتضنا قصعة بارابول…و غير ذلك كثير، من الشخصيات و السياقات الثانوية. مباشراتية مفرطة في طرح هذا الموضوع، لامَسَت السوقية في كثير من الأحيان، و سقوط في الاستسهال عبر تكثيف الكليشيهات الجنسية و التوقف عندها طويلا…خيار و إن أضحك جزءً من الجمهور فإنه لا يعطي أي استحقاق لصاحبه، خاصة و أنه ساهم في نفس الوقت في انخرام البناء المسرحي و تشتيت أذهان الجمهور حول الموضوع الرئيسي للعرض.
انخرام وحدة البناء المسرحي كانت جلية كذلك من خلال فترات الرتابة التي شهدها العرض و التي لم يقدر خلالها الغربي لا على كسب تركيز الجمهور و لا على إضحاكهم، و يعود ذلك كما أسلفت إلى كثرة الاستطرادات و إلى عدم تمكن الغربي من تقنيات العبور و التنقل بين المواضيع les transitions…أو عدم الإعداد الجيد لها…أمر مثير للاستغراب بالنظر إلى خلفية الممثل المسرحية و وعيه بأهميتها في تأمين خفة الطرح و سلاسته.
عرض “ماهوش موجود” لم يؤكد ميلاد كوميدي كبير في تونس بقدر ما أكد أن الغربي لم يخرج بعد من دائرة الظاهرة الكوميدية التي يخشى أفولها و انطفاؤها ذات يوم إذا لم تتجنب السقوط في الكليشيهات و الاستسهال في اختيار المواضيع، و إذا لم تنكب على تطوير نفسها و الاشتغال على عمق المضامين و الطرح…”فالتلفزة” قد تضمن لك سرعة الشهرة و الانتشار و لكنها على شاكلة “الفاست فود”، سريعة التحضير و سريعة الاستهلاك
ختاما، لا يفوتني أن أعبر مجددا عن سعادتي البالغة بذلك المشهد المنعش لمسرح سيدي منصور ممتلئا بشكل قياسي…أعلم أن الفضل في ذلك يعود لكريم الغربي، إما حبا أو فضولا…فيا كريم الغربي شكرا و أفّ.

بقلم أحمد البهلول

قد يعجبك ايضا