الحبيب بورقيبة : ما سمعتش الي صفاقس عندها شهداء !!

الحبيب بورقيبة
الحبيب بورقيبة

لما اقتحم الجيش الفرنسي أسوار مدينة صفاقس يوم 16 جويلية سنة 1881، قام بمذبحة شنيعة ضد الصفاقسية البواسل المدافعين عن المدينة. سفك الفرنسيون دماء وقتلوا وذبحوا ودفنوا أبطالا أحياء كانوا موجدين في خنادق. تمت المذبحة في زمن قصير وكانت نتيجتها 900 شهيد في ظرف يومين فقط : 16 و 17 جويلية 1881.

في تلك الفترة من الزمن يقول الصحفي الإنجليزي برودلاي في كتابه the last punic war والذي كان متواجدا على عين المكان زمان احتلال مدينة صفاقس، أن صفاقس تعد12000 صفاقسي و1500 يهودي و 1000 مالطي و500 نسمة من عدة جنسيات أوربية أخرى.

هذا التعداد يفضح فرنسا التي قتلت 7.5 نفرا على كل 100 صفاقسي.

في سنة 1963 وفي شهر سبتمبر إثر قدوم الرئيس الحبيب بورقيبة إلى صفاقس لنقل جثمان المغفور له، الشهيد الهادي شاكر من مقبرة طريق العين إلى ساحة بلدية صفاقس، سمعت بعد أيام من الموكب الجنائزي، زوجة أبي حليمة الشعبوني وهي عضوة بالإتحاد التونسي للمرأة وناشطة بالحزب الحر الدستوري بصفاقس، تروي لأبي أن عددا من الصفاقسية طلبوا من بورقيبة إثر نقل جثمان الشهيد الهادي شاكر، تسمية تلك الساحة باسم ساحة الشهداء مؤمنين بأن أهل صفاقس ضحوا الكثير للوطن منذ الاحتلال الفرنسي. رفض بورقيبة الصفاقسية قائلا: “ما سمعتش صفاقس عندها شهداء “؟

في سنة 2014 اتصلت بالأستاذ محمد النوري المحامي وهو في مكتبه والمعروف بمواقفه النضالية من أجل حقوق الإنسان والمساجين السياسيين طيلة حكم الرئيس المخلوع بن علي، وطرحت عليه السؤال هل سمع حديث حول رفض بورقيبة لتسمية ساحة البلدية باسم شهداء صفاقس. رد علي مباشرة أنه سمع هذا الكلام من أناس أكبر منه سنا ونشطاء في الحزب الحر الدستور التونسي، وكان بورقيبة قد رد على طلب أهل صفاقس ” صفاقس ما عند هاش شهداء”.

وفي 13 مارس2015 تنقلت مع الأستاذ محمد النوري إلى مدينة نابل أين يقيم المناضل المرحوم بوبكر مقني وهو من الرعيل الأول للحزب الحر الدستوري التونسي. بعد طرح السؤال عليه في خصوص طلب تسمية ساحة البلدية باسم ساحة الشهداء رد قائلا إنه سمع بنفسه بورقيبة يجيب على هذا الطلب بـ: “أنا ما سمعتش، صفاقس عندها شهداء”

وزيادة للتحقيق اتصلت بالدكتور محمد علولو بصفاقس وهو ابن المرحوم الدكتور أحمد علولو الذي يعتبر من الكوادر الأولى للحزب الحر الدستوري التونسي بجهة صفاقس مع المرحوم الهادي شاكر، يقول الدكتور محمد علولو ذهبت إلى تونس مجموعة من كوادر الحزب بصفاقس لمقابلة بورقيبة سنة 1970 طالبين منه الموافقة على تسمية حي الزيتونة الحالي باسم حي الشهداء، ردّ عليهم بورقيبة في الحين باللغة الفرنسية ” Sfax n’a que des morts “.

من الواضح للعيان أن بورقيبة أكّد في مرتين اثنتين إصراره وتشبثه بإنكار شهداء صفاقس لسنة 1881. كانت المرّة الأولى سنة 1963 لما نقل جثمان الشهيد الهادي شاكر، أما المرة الثانية فكانت سنة 1970 لما أُعيدت الكرة لتسمية حي الزيتونة بحي الشهداء. عرف بورقيبة أثناء حكمه تونس أنه إذا غضب في أمر ما فهو يستعمل اللغة الفرنسية دون العربية أو الدارجة لأنه يجد فيها مبتغاه من الكلمات المعبرة عن ما يدور في صدره.

كان لبورقيبة هدف جلي هو مسح المجزرة الدنيئة من الذاكرة الشعبية. للتأكيد عن نيته المبية، أصدر بورقيبة سجلا (انظر الصورة) ممضى بخط يده أين ضم أسماء كل شهداء تونس منذ دخول الاستعمار إلى غاية معركة الجلاء سنة 1961. فقد ذكر في ذلك الكتيب شهيد واحد من مدينة صفاقس لسنة 1881 دون ذكر رتبته العسكرية بجيش باي تونس، ألا وهو الجنرال محمد معتوق، المسؤول العسكري الأول على المقاومة المسلحة بصفاقس، رغم أنه على علم أن فرنسا زهقت 900 روح من الصفاقسية في يومين فقط : 16 و17 جويلية 1881. كما لم نعرف شيئا يذكر في سجل بورقيبة عن الأعراب الشرفاء من المثاليث والنفات الذين سقطوا شهداء على شاطئ البحر دفاعا عن صفاقس.

 سجل الحبيب بورقيبة الذي يضم أسماء كل شهداء تونس منذ دخول الاستعمار إلى غاية معركة الجلاء سنة 1961
سجل الحبيب بورقيبة الذي يضم أسماء كل شهداء تونس منذ دخول الاستعمار إلى غاية معركة الجلاء سنة 1961
 سجل الحبيب بورقيبة الذي يضم أسماء كل شهداء تونس منذ دخول الاستعمار إلى غاية معركة الجلاء سنة 1961
سجل الحبيب بورقيبة الذي يضم أسماء كل شهداء تونس منذ دخول الاستعمار إلى غاية معركة الجلاء سنة 1961
 سجل الحبيب بورقيبة الذي يضم أسماء كل شهداء تونس منذ دخول الاستعمار إلى غاية معركة الجلاء سنة 1961
سجل الحبيب بورقيبة الذي يضم أسماء كل شهداء تونس منذ دخول الاستعمار إلى غاية معركة الجلاء سنة 1961

طيلة الدراسة الابتدائية ثم الثانوية من زمان الاستعمار الفرنسي مرورا بفترة حكم الرئيس بورقيبة والرئيس بن علي لم تدرس ملحمة صفاقس في أي فصل من فصول التدريس، ولم تذكر في كتب التاريخ المدرسية، كما لم يسمح بإحياء ذكراها. نفهم مليا لماذا رفض الاستعمار الفرنسي إحياء الذكرى وتدريسها. لكن نبقى متسائلين لماذا رفض بورقيبة الاعتراف بحدث تاريخي عالمي كتب عنه ووثقه جل مؤرخين القرن التاسع عشر والقرن العشرين؟

هل إصرار بورقيبة لنفي وإنكار ملحمة صفاقس لسنة 1881 هو تعهد منه إلى فرنسا لعدم تذكير أهل تونس بما اقترفه المستعمر الفرنسي في حق صفاقس وأبناء صفاقس ؟

الدكتور فاروق الشعبوني

قد يعجبك ايضا