السياب في سوق المزايدات السياسية : بقلم الاستاذ حاتم الكسيبي

معمل - مصنع - السياب - صفاقس - الحامض الكبريتي - الحامض الفسفوري
معمل – مصنع – السياب – صفاقس – الحامض الكبريتي – الحامض الفسفوري

صحيح أنّ السياب مصدر رزق عدد هام من العائلات في صفاقس و في الداخل التونسي و مصدر هام أيضا للعملة الصعبة في خزينة الدولة و لكنه مصدر قلق لأهل المدينة و أحوازها ومصدر تلوث قارّ بالجهة لازالت مساحته تتوسع على حساب غابات الزياتين والعود الرقيق والبحر المتفرد بمدّ و جزر سحر عقول الزائرين. السياب ذلك الهائل المحاذي لمناطق العمران و المستعمر لجنان عين فلات و لطريق قابس عموما باق ينفث دخانه مهما توالت الحكومات و كثرت التصريحات و نصبت المنابر الاعلامية لتبادل الاتهامات.
يجرني الى الحديث على السياب تجدد الوعود كلما لبس وزير خوذة صفراء أو بيضاء و جال مع أعوانه ومسؤولي الجهة داخل هذا المعمل الضخم المتهالك أو زار “هضبة” تبرورة “الفوسفوجبسية” فالتقطت الصور و تحدث للاعلام و سجل أصحاب القنوات و الجرائد الورقية والالكترونية السبق الصحفي ولكن لا شيء يتغير. حتى وعد المخلوع كان ايذانا بوهنه السياسي و رضوخه للضغوط المتتالية التي توجت بثورة 17 ديسمبر. زارتنا الترويكا و أخبرتنا بأنها عازمة على المضي قدما في برمجة اغلاقه ثم رحلت في ظروف معينة وجاءت حكومة التكنوقراط لتجدد نفس الوعود و تؤكد على نفس التواريخ ولكن لا جديد يذكر في هذا المضمار بل هناك قديم دوما يعاد.
قد يكون أهل صفاقس قد اقتنعوا ذات مرة بأن الحكم الانتقالي والمؤقت لا يناسب أحلامهم فعليهم بالصبر وانتظار قرارات قادم الأيام لا سيما وأن الحملات الانتخابية جميعا لم تنس هذه النقطة فكانت حاضرة في برامج القوائم المترشحة حتى المستقلة منها ولكن كانت كما يقول المثل “كلام الليل مدهون بالزبدة”. جاءت الانتخابات و صارت نتائجها واقعا سياسيا و تغيرت الحكومات ولكن أهل صفاقس لم يروا انجازا ولا خارطة طريق ولا مخططا لتعويض السياب واجتثاثها من قلب المدينة. لم يقدم الحكم “الدائم” الحل رغم مضي سنتين تقريبا بل ازداد تشتت المواقف نحو تغيير وجهة هذا العملاق الملوث للنبات والجماد والعباد والبلاد و عدنا لترتيب الكلام والوعود المتجددة وكأننا على أبواب انتخابات جديدة.
متى ينهض أهل صفاقس صباحا فيستنشقون هواء مميزا برائحة البحر الذي تغيّر لون مائه الداكن وصار مشابها لبحر ملولش أو الشابة أو سلقطة أو … متى يتحقق الحلم الذي بات صعب المانل في أذهاننا لا سيما حين نستمع الى وزير “ابن للجهة” يحدثنا على شعور بالضيم و القلق من مشكلة التلوث والبيئة عموما في صفاقس ولكنه لم يحدد الى الآن خارطة طريق واضحة المعالم لانقاذ هذه الجهة من الكارثة البيئية التي حصدت أرواح الآلاف جراء أمراض السرطان بأنواعه والربو وغيرها من الأمراض الفتاكة التي لم يكن للجدود عهدا بها؟ لم يعد أهل صفاقس يعوّلون على أهل السياسة لا سيما وأنّ حالتهم كحالة ربّ البيت الموظف قبل صرف المرتبات. حتى المجتمع المدني الذي يقدم نشاطا حثيثا و تظاهرات ضخمة وهامة في هذا المضمار لم يعد يثق بأهل السياسة و وعودهم التي تتكرر دائما مهما كانت المشارب الفكرية. قدر صفاقس اذن أن تعيش بعلتها لعقود اخرى حتى يبلى أهلها و يترهل عمرانها و يهجر بحرها الحوت ثم تنتقص صابتها من الزيتون واللوز وغيرهما مما تفيء الأرض المباركة به لساكنيها، فعلا سنكون حينها دون منازع عاصمة للجنوب.
لك الله يا ابن الجهة فالحمد لله على أن رزقنا أطباء أكفاء للعلاج نمرض فيسهرون على مداواتنا بالكيماويات والأشعة و حصص التمسيد الصدري فينبعث امل الحياة من جديد علّنا نشهد يوما سعيدا دون تلوث و نملأ صدرونا هواء نقيا كغيرنا من سكان هذه الأرض الطيبة.

بريد القراء : بقلم الاستاذ حاتم الكسيبي

قد يعجبك ايضا