نداء عاجل لوزير الصحة من المندوبين الطبيين بصفاقس : تهميش قطاع الصحة أدى إلى زيادة استهلاك الدواء

صيدلية
صيدلية

دعت النقابة الأساسية للمندوبين الطبيين بصفاقس وزير الصحة العمومية إلى فتح حوار حقيقي و صريح وعاجل حول القضايا العالقة التي تتهدد القطاع وفي مقدمتها مسألة تنظيم المهنة و توحيد المدخل وحمايته من الدخلاء المتسربين تحت مسوغات قانونية تبررها أحكام كراس شروط ممارسة نشاط “الزائر الطبي” الذي سوى في فصله الـ9 ذات شروط اندراج “المندوبين الطبيين” في المهنة على معنى أحكام كراس الشروط الخاصة بهم، تحذير يأتي في ظل ظاهرة سلوك التداوي الذاتي، وارتفاع معدلات الاستهلاك الدوائي بالبلاد ومخاطرها علاوة عن تصاعد شبهة استحالة مهنة الإعلام الدوائي إلى مهنة تسويقية وترويجية ذات أبعاد تجارية بعيدة كليا عن أبعادها الإرشادية والإنسانية المقاومة للألم والمعالجة للأدواء فضلا عن ارتباطها العضوي بالحالة الوبائية بالبلاد وأحوال الصحة العامة ، في غياب التكوين الأكاديمي المرجعي و المهني و الرسكلة والتكوين القطاعي المستمر .

التقينا أعضاء النقابة الأساسية للمندوبين الطبيين بصفاقس وهي مبادرة تنظيمية نقابية غير مسبوقة نشأت بعد الثورة لمبررات تنظيمية لقطاع حيوي و حساس ناله من التهميش والتجاهل المقصود حظّ وافر قبل الثورة كانت مبررا لتنظيم قطاع يضم حوالي الـ400 قطاعي على مستوى جهة صفاقس فيما يقدر عدد منتسبي المهنة ومزاوليها حوالي 3000 بين “مندوبين” و”زائرين” عدى من يمارسون المهنة دون اندراج قانوني من دخلاء باتوا يهددون استقرار المهنيين الرسميين ويهددون الحالة الصحية بالبلاد بفعل عدم دراية هؤلاء الدخلاء و وفي غياب الحيطة والتحري في الوصف الدوائي وبالنظر إلى جهالتهم الكلية بالخصائص الكيميائية وبيوكيميائية للأدوية التي “يروجونها” لدى الصيدليات بشكل تجاري مشبوه، بل وربما حتى بالعيادات الطبية العامة والخاصة في غياب التحري والرقابة الإدارية والمتابعة العلمية و التفقد التجاري والصحية والجبائي المطلوب في مثل هذا النشاط الحساس .

قطاع حيوي هام وخطير
يذكر أن قطاع الصناعات الدوائية في تونس ورغم أهميته الاستراتيجية للصحة العامة إلا أنه لم يدخل السوق الإنتاجية التونسية بشكل ناجع يوفر حوالي 50 % من حاجيات السوق المحلية إلا بعد العام 1987 إذ تعتبر تونس من أهم الدول التي أرست الصناعة الدوائية المحلية عبر تشجيع الخواص على الاستثمار في هذا القطاع عبر إجراءات ترتيبية وقانونية منذ التسعينات على غرار وقف توريد الدواء الذي يمكن تصنيعه محليا وإدراج الأدوية الجنيسة ضمن منظومة التأمين على المرض وإقرار الإعفاءات الجبائية لدى توريد المواد الأولية و تخفيض نسبة الأداء على القيمة المضافة إلى 6 %بدل عن 18 % في سائر المواد الأخرى . ورغم أن الأردن سبقنا إلى هذا الإنتاج منذ أكثر من 30 عاما فإن بلادنا ما انفكت تحقق مردودية أفضل في قطاع يشغل حوالي 5 ألاف من القوى العاملة 50 % منهم من إطارا ت الطب و الصيدلة و المهندسين و التقنيين السامين.. وهؤلاء هم في الغالب من المخبريين وخاصة من ممتهني المندوبية الطبية الذين يبلغ معدل منتدبيهم حوالي الـ15 ممثلا لكل شركة دوائية الوطنية والدولية عبر مندوبيها وتمثيلياتها بالبلاد التونسية .

إرهاصات تنظيم المهنة
حسب إفادة السيد عادل القلال المكلف بالإعلام بنقابة المندوبيين الطبيين ، لم يكن القطاع يخضع تنظيميا إلي أي شكل من طرق الترتيب للمهنة قبل التسعينات إلى حين صدور القانون المرجع عدد 1400 / 90 المؤرخ في 3 سبتمبر 1990حيث كانت المهنة تخضع لنظام الترخيص الوزاري المسبق لممارسة مهنة “الترويج العلمي للمنتوجات الطبية و”الاستشفائية” …إلى حين تداركه بقانوني 99 و2001، خلال هذا العام وفي 28 ماي منه صدرت كراستا شروط تضبط شروط ممارسة نشاط “الزائر الطبي” والثانية تضبط شروط ممارسة نشاط “المندوب الطبي “تبعا لمطالب بتنظيم القطاع بعد أن تطرق إليه غير خريجي المهن الطبية وشبه الطبية التي كانت بمثابة المدخل القانوني الوحيد للمهنة . على أن ذينك القانونين كانا محاولة تأسيسية أخيرة لمعالجة وضع فوضوي سابق تورطت فيه أطراف وزارية أو ربما أغمضت عنه أعينها ليصبح أمرا واقعا يتوجب التعاطي معه وتطبيعه بعد أن تم استحداث مهنة جديدة “مشتقة “أو ربما أريد لها أن تكون منشقة عن مهنة المندوب الطبي من اختصاصات أكاديمية غير الاختصاصات الطبية وشبه الطبية.

مأزق الفصلين 7 و9 والتأويلات البعيدة
يعتبر السيد الأسعد ذياب الكاتب العام المساعد للنقابة الأساسية للمندوبين الطبيين بصفاقس أن ظاهر النّصين القانونيين آنفا الذكر محاولة تطوير أو تنظيم للمهنة في ظل الانفلات الحاصل بصمت الإدارة أو تبريرها لإغراق المهنة ضمن أدبيات لغة السوق على معنى قاعدتي العرض والطلب التي أفرغت المهنة من مضمونها الطبي وقيمتها الصحية لصالح المعطى الترويجي للدواء .الفصل السابع من كراس شروط الزائرين الطبيين ينصّ على تولي “الزائرون الطبيون الإدلاء بالإرشادات حول المواد الصيدلية لدى الأطباء والصيادلة بدقة وروح المسؤولية ” هذا النص في مضمونه يسوي بين مهام المندوب الطبي والزائر الطبي رغم اختلافات التكوين العلمي والمرجعية الطبية والصحية والاستشفائية في التكوين الأساسي للمندوبين الطبيين كشرط انتداب بوصفهم أطباء عامّين أو أطباء أسنان وأطباء صيادلة أو أطباء بياطرة أتموا دراساتهم الطبية بعد 7 سنوات من الدراسات الجامعية ، وهم أول من أسس هذه المهنة بالتوازي مع انبعاث الصناعات الدوائية والطبية والصيدلية بالبلاد التونسيين ، على أن الزائرين الطبيين هم صنف آخر من ممثلي الشركات الصيدلية والصناعات الطبية وتم استحداث خططهم كجزء من حل لوضعياتهم المهنية العالقة منذ ما قبل العام 91 باعتبار اندراجهم في القطاع على منطق واقع الممارسة لا على شرط الانتساب للمهن الطبية ورغم أن السلطة أقحمت هؤلاء ضمن مهن الإعلام الطبي من باب المعالجة الجزئية لأزمة البطالة في بداية التسعينات فإن الأخطاء في التوصيف والإرشاد الصيدلي للأدوية التي يضعونها على ذمة “واصفي ومقدمي الأدوية ” أثبتت أخطاء و إخلالات إما ناجمة عن الجهل بالمكونات والخصائص الكيميائية لغياب التكوين الأساسي أو التكوين المستمر أو الرسكلة المطلوبة لبناء الذات المهنية مما يخل بواجب ” الإرشاد الكامل والنزيه” خاصة لمن هم ليسوا ممن ” أتم بنجاح سنتين من الدراسات الطبية أو الصيدلية أو البيطرية أو في طب الأسنان أو الذين تحصلوا على شهادة أو رتبة فني سامي للصحة العمومية..” . ويبدوا أن عبارة ” أو لقب أو شهادة معادلة” الواردة في ذيل النص المذكور هي التي فتحت أبواب المأزق الحالي بسبب غموضها وتعويمها للمعنى اللقب العلمي أو المعادلة حيث لم يحدد الفصل بصريح العبارة الصارمة التي يقتضيها النص القانوني انتساب هؤلاء إلى الشهادات العلمية الطبية والصحية ذات العلاقة بالدواء، وعلى هذا المعنى المائع للمصطلح دأبت أطراف من سلطة الإشراف على تقنين التحاق وإدماج أشخاص ليسوا ممن تلقوا تكوينا أكاديميا أساسيا في مجالات الصحة أو الطب والتمريض بل من اختصاصات التجارة والاقتصاد و الّتسويق و البيولوجيا وغيرها.. حيث عمدت وزارة الصحة إلى “معادلة” شهادات عدد منهم إسوة بالمندوبين الطبيين أو الزائرين الطبيين وهو ما أغرق هذا الاختصاص المهني في أزمات إضعاف الجدوى المهنية، و عزز المخاطر على الصحة العامة بتغيير وجه المهنة من النّصح والإرشاد والإعلام الطبي إلى واجهة التسويق والترويج التجاري دون تملك لآداب المهنة وأدبياتها وأخلاقياتها المطلوب التّحصّن بها حفاظا على حياة الناس و سلامتهم الجسدية من أخطار التّداوي الذاتي والاستعمال المكثف وغير المدروس للدواء و أعراضه الجانبية و تأثيراته غير المحسوبة على أمراض بعينها و لسيما في الأمراض المستديمة والمزمنة على غرار أمرض القلب والشرايين والحساسية المفرطة إزاء بعض المكونات الكيميائية وانعكاساتها والأمثلة والوقائع كثيرة يحصيها أعضاء النقابة في هذا الصّدد و لربما أوقعت عددا من الأطباء في أخطاء طبية فادحة غير محسوبة العواقب وغير ممكنة المراجعة. كل ذلك بفعل هذا التداخل في التوصيف والمهام بين الزائر والمندوب الطبي..

بين مقتضيات الصحة العامة ومعالجة البطالة
النقابة الأساسية للمندوبين الطبيين بصفاقس في شهاداتها لنا ورغم وعيها الوطني برهانات أزمة البطالة كمشغل وطني ومع تعاطفها مع المعطّلين عن العمل ولسيما من حاملي الشهادات العليا فإن مقاربتها للأزمة الاجتماعية ترفض كليا المجازفة بالصحة العامة كمجال حيوي حساس على ارتباط باستدامة الموارد البشرية وسلامتها وجودة حياة الناس تحت مسوغات التشغيل، علاوة عما بات يشتكيه المندوبون الطبيون من تهديدات الاستقرار المهني باعتبار البراغماتية غير الأخلاقية التي طبعت سلوك بعض منتجي المواد الطبية والصيدلية التي تنكرت لعدد من المندوبين التأسيسيين للمهنة وتضحياتهم منذ البدايو التاريخية للمهنة ..في مقابل انتداب ذوي الإشهاد الضعيف بتعلّة الانعكاس المادي وانخفاض التأجير لهؤلاء بحيث يشغل منتج الدواء بين 3 و4 زائر طبي في مقابل المندوب الطبي الواحد أي بديلا عنه، علما أن المؤسسة الإنتاجية الواحدة تشغل زهاء الـ14 مندوبا تقليديا، هذا بالنسبة إلى المؤسسات الوطنية أما المنتجين الدوائيين الدوليين وكبرى الدور المعروفة في صناعة الأدوية فهي تنشيء علاقة تعاقدية غير معلنة أو معلنة في أحسن الحالات لفائدة ممثل أقل ما يطلق عليه أنه ” نائب تجاري” لمنتجات صحية خطيرة على غرار أدوية السرطان وغيرها من الأمراض الخطيرة.

وزارة الصحة : غفلة أم تغافل؟
على الرغم من إشادة النقابيين الذين تحدثوا إلينا بالدور الوطني الذي تمارسه الهيئة الوطنية للدواء والصيدلة DPM وهي هيئة فرعية تابعة لوزارة الصحة العمومية تختص بمهام الإشراف على عالم الدواء بالبلاد التونسية والمتدخلين فيه من صيادلة ومصنعين وتراخيص الدواء وتراخيص مراقبة الدواء والإعلام الطبي والمندوبين الطبيين والتي تترأسها حاليا السيدة إيناس فرادي ومن الوجوه الوطنية التي مرت على هذه المؤسسة كمال إيدير الرئيس الأسبق للنادي الإفريقي …على أن ما أقدمت عليه الوزارة من أمر إسناد معادلات وتراخيص تسوي عمليا لا إشهاديا في المهام والقدرات بين دارسي الاختصاصات الطبية و الدراسات الاقتصادية والتجارية لمنتجات كيميائية أقل ما يقال عنها أنها خطيرة على الإنسان والبيئة، وتضع من درس 7 سنوات في اختصاصات الطب و بين دارسي الأربع سنوات الأستاذية والثلاث سنوات الإجازة والتقني السامي على قدم المساواة والتناظر !!.. صيحة فزع أطلقتها النقابة المذكورة في ظل ممارسات مشبوهة وخطيرة تدمج اختصاصات غير طبية في المجال الطبي صرف في غياب الرؤية والاستشعار لمخاطر ذلك الجمّة ودونما تدارك لوضع هؤلاء المستعجل قيد التكوين التكميلي أو التكوين المستمر و مع مقتضيات الرسكلة للمهنيين والممارسين والرقابة الملحة للتنظيم المستعجل للمهنة حماية للعباد والحياة.. النقابة ترى أن مهنة توزيع الدواء تتطلب كفاءات مختصة تقنيا تتصل بخصائص الدواء وصحة المريض وسلامة الوصف من الطبيب مما يمنع من مخاطر التداوي الذاتي والاستطباب العشوائي وما يفتح أبواب شراء الذمم والتلاعب بالوضع الوبائي وسلامة الصحة العمومية عبر استخدام آليات التسويق وتقنيات الإبهار والاستدراج والاستمالة الجماهرية للمنتجات الطبية تسوية لها بباقي المنتجات الاستهلاكية في ظل صمت مريب من سلطة الإشراف وأصحاب القرار ولا يمنع ذلك قط شبه الفساد داخل أروقة الوزارة وما أكثرها… والحديث للنقابيين.

تنويه واعتزاز بدور الاتحاد
أعضاء النقابة الأساسية للمندوبين الطبيين بصفاقس نوهوا بالدور الطّلائعي للاتحاد العام التونسي للشغل ولسيما المكتب الجهوي بصفاقس وفي مقدمتهم السيد عبد الهادي بن جمعة الذي كان أول من احتضن قضية المندوبين الطبيين بصفاقس وأسس أول نقابة أساسية في القطاع بالبلاد التونسية وبادر إلى دعم القطاع في اتجاه تنظيمه والتصدي لكل الممارسات التي تهم المواطن التونسي ولسيما في بقائه وسلامة صحته باعتبار أهمية رأس المال البشري في بلد مثل تونس. وعلى هذا المنوال بدأ النقابيون في صفاقس تعميم الوعي النقابي لدى ممارسي هذا النشاط في انتظار تأسيس نقابات أساسية و جهوية بالجهات التي بها صناعات طبية ومنتسبين للمهنة. النقابيون أكدوا أن اختيارهم للاتحاد العام التونسي للشغل كان عن وعي ودراية وبعد رؤية واستفاضة تفكيرية من منتسبي المهنة رغم الإغراءات والاستمالات ومحاولات التشكيكية في ظل التعددية النقابية المفرزة بعد الثورة .

صابر فريحه

قد يعجبك ايضا