بقلم أحمد البهلول : من يوقف تسونامي المقاهي قبل أن يجرف الدّولة و المجتمع ؟

 أحمد البهلول
أحمد البهلول

لازلت أعتبر أن شرب القهوة في جماعة ثقافة جميلة…و فيها الكثر من شخصيّتنا و طبيعتنا العربيّة التي تحبّ الإجتماع و الدّردشة و تناقل الأخبار و الأحوال….أنا من الذين عايشوا بداية طفرة المقاهي و انتشارها خلال بداية الألفية الثالثة….كنت أعاين الظاهرة في تطوّرها و زحفها…لم تبدو لي مزعجة جدّا في بدايتها…بل على العكس…أتاحت فرصة و فضاء للقاء بين الأصدقاء و أصحاب المآرب و المصالح المختلفة…و كانت منطلقا في كثير من الأحيان لمبادرات مواطنيّة، ثقافيّة، سياسيّة و حتّى خيريّة معتبرة
اليوم أصبح الوضع مختلفا جدّا…الظاهرة بلغت عتبة الإشباع و تجاوزتها بشكل يبعث على القلق و الانزعاج…لم يبق زقاق و لا شارع و لا ركن في تونس إلاّ و اكتسحته المقاهي…زحفت على البيوت و الحدائق و الشوارع و الأرصفة…تفسد على جيرانها راحتهم، تخترق خصوصيتهم و تعطّل سيرهم…تحشد العشرات و المئات من الهاربين من مسؤوليات الحياة…بين فارّ من التزام في الدّراسة أو العمل…و بين من يهجر زوجته و عياله من أجل فنجان قهوة و سيجارة و طاولة لعب الورق…وبين عاطلين يستمتعون بابتزاز سيجارة و الظفر بقهوة مجانيّة و الانشغال عن العمل بتعمير ورقة حظّ عابثة لن يصيبوه أبدا…و بين قُصَّرِِ و مراهقين، أفلتوا أو تحدّوا رقابة العائلة ليتقاسموا علبة سجائر أو “طَرْف” (زطلة) تشاركوا في ثمنها…لا أحد حيث يجب أن يكون…الكلّ سرقته المقاهي من مسؤولياته و و واجباته
أما قصص المقاهي فهي في أفضل الحالات عن المال و الأعمال…و في أسوئها و أغلبها، جدال حول مباراة كرة قدم، مفاخرة المراهقين بمغامرة مع فتاة و مزايدة بعدد الضحايا و أساليب الإيقاع بهنّ أو حديث عن عنتريّات و بطولات كاذبة…و طبعا كلّ هذا بلغة جميلة، تتضمّن كلّ المعاني الجنسية الشاذّة و الغريبة المكبوتة
و حتى لا أتّهم بالسوداويّة و السلبيّة…هناك في ركن بعيد في المقهى المكتظّ، مجموعة فرّت بثقافتها، و أدبها، و وعيها و تجمّعت على استحياء خلف سحائب الدّخان و صياح لاعبي الورق، تناقش مشروعا أو مبادرة أو ملفّا أو قضيّة…و لو كُشِفَ أمرهم، لأصبحوا سخرية يشار إليهم بكل أصابع اليد.
عطالة مهنيّة، و ثقافيّة و أخلاقيّة…تختزل ظاهرة تسونامي المقاهي.,.وتعكس أزمة بلد…ينزلق تدريجيا نحو نهايات مسدودة
أنا أحمد البهلول، أرتاد المقاهي و أدمن القهوة بمعدّل 3 مرّات في اليوم…لا أحمل رغبة لأفسد على النّاس بهجتهم و نمط حياتهم…و لكنّ الظاهرة أشعلت وراءها كل ألوان الخطر و دقت كل نواقيس الإنذار…لا بدّ من مراجعة خارطة المقاهي في المدن…و التوقّف حالاّ عن إسناد رخص جديدة إلى حين تغيير كرّاس الشروط نحو التشديد فيها بما يحفظ المصلحة العامّة و يوقف نزيف التبعات الخطيرة، على الدّولة و الفرد و الأسرة و المجتمع
وزارات التجارة و الدّاخلية، و الشباب و الأسرة…النيابات الخصوصية الموقرة….اشهدوا إتّي قد بلّغت

أحمد البهلول

قد يعجبك ايضا