ملاحظات حول مشروع المراجعة الجزئية لمثال التهيئة العمرانية لبلدية صفاقس : بقلم توفيق مقديش

صفاقس من فوق

بطلب من بعض الأصدقاء و من أجل إثراء النقاش، حاولت تلخيص مداخلتي في اجتماع لجنة التهيئة
و رخص البناء المنعقدة يوم 4 سبتمبر 2018 ببلدية صفاقس، مع ملاحظة أن صوتي كاد أن يكون نشازا.

حسب مقدمة رئيس الجلسة كان من المفترض أن يتركز النقاش على التراتيب العمرانية و بما أني تغيبت عن الجلسة الأولى المنعقدة في شهر أوت، طلبت من رئيس الجلسة السماح لي بالرجوع إلى مناقشة مبدأ المراجعة الجزئية و إلى التمشي الذي و قع اعتماده بدون الدخول في مناقشة الجانب التقني، و قد قبل ذلك مشكورا.

1- تساءلت عن مبررات هذه المراجعة الجزئية في هذا الوقت بالذات و الحال أن المثال التوجيهي لتهيئة صفاقس الكبرى (الذي يضم أيضا البلديات المجاورة و الذي يحدد التوجهات الكبرى للنمو الحضري خلال السنوات القادمة ) بصدد الإنجاز و لم يكتمل, كما أن المراجعة الشاملة لمثال التهيئة لبلدية صفاقس قد شرع في إعدادها سنة 2010. فهل أن تعطل إنجاز المثال التوجيهي و التأخير الحاصل في إعداد المراجعة الشاملة يبرر هدا التسرع في القيام بمراجعة جزئية؟

2- عبرت عن استغرابي من التمشي المعتمد في مراجعة مثال التهيئة فالتقرير المصاحب لا يقدم مبررات مقنعة لعمليات التكثيف ( (densification المقترحة و يحتوي على عديد الهنات و الإخلالات يمكن أن نذكر بعضها:

  • لا ينطلق التقرير من تشخيص للوضع الراهن و تحديد إشكاليات التهيئة
  • لا يستند إلى معطيات موضوعية تبرر عملية المراجعة و خاصة التكثيف العشوائي و المشط
  • ( R+ 11 وR+20)
  • لا يقدم تقييما للتدخلات السابقة داخل المجال الحضري و بالخصوص تلك التي أقرها مثال التهيئة الحالي و الذي يرجع إلى 2002 (تكثيف النسيج الحضري بباب بحر و محاور النقل الرئيسية و تأثيراتها السلبية على الأصعدة البيئية و المرورية و الجمالية
  • لا يأخذ بعين الاعتبار المشاريع المهيكلة (المترو، تبرورة…) و الدراسات التي لها علاقة بالموضوع (المثال التوجيهي للتنقلات (PDU)، استراتيجية تنمية صفاقس الكبرى…)
  • لا يقوم بتحديد حاجيات المدينة في أفق زمني معين (مثلا بعد 10 سنوات)

3- من المفترض أن عمليات التكثيف تكون من أجل الاستجابة إلى حاجيات المدينة في المستقبل و من البديهي أن هذه الحاجيات مرتبطة بالنمو السكاني و الاقتصادي و في هذا الصدد لا بد من التذكير أن بلدية صفاقس تشهد نموا ديمغرافيا ضعيفا جدا (نسبة النمو السكاني بين 2004 و 2014 لم تتجاوز معدل 0.25 % في السنة) و ركودا اقتصاديا واضحا.
و إذا افترضنا جدلا أن المدينة في حاجة إلى عدد كبير من المجالات المبنية (سكن و مكاتب و تجهيزات) فمن المفروض أن تقدم دراسة مراجعة مثال التهيئة معطيات مرقمة لتدعيم ذلك كما أنها مطالبة بتقديم تصورات و سيناريوهات متعددة لاستيعاب طلبات سكان المدينة و من بين السيناروات الممكنة أذكر مثلا تبرورة أو مركز حضري بحي الأنس أو العودة إلى مشروع و قع إجهاضه و هو مثال التهيئة التفصيلي لشط القراقنة إلخ.

4- إن التدخل في المجال الحضري المبني صعب للغاية و يحتاج إلى كثير من الحذر و قد شهدت صفاقس خلال العقود الأخيرة عمليات كانت لها عواقب وخيمة و يكفي في هذا المجال ذكر تهيئة الساحة الموجودة أمام قصر البلدية وعمليات العبث بشارع الهادي شاكر (100 mètres).

5- لم يتعرض التقرير إلى التأثيرات المنتظرة لعمليات التكثيف على البيئة و التقل و البنية التحتية و الجمالية الحضرية و إلى الانعكاسات السلبية جدا على القطب العمراني تبرورة فضلا عن المضاربات العقارية التي سيحدثها.

6- لا تندرج العمليات المقترحة ضمن رؤية أو مشروع حضري مستقبلي يستجيب إلى انتظارات سكان المدينة

7- و خلاصة القول فإني مع احترامي للمجهود الذي بذل أعتبر أن التمشي الذي اعتمد في هذه المراجعة اتسم بالتسرع و بغياب منهجية واضحة وهو لا يتماشى مع التوجهات العالمية الحديثة في التهيئة الحضرية التي تولي الأولوية إلى جودة الحياة و البيئة السليمة و تدعيم الهوية الثقافية للمدينة و نجد صدى لهذه المبادئ في بلادنا في المشروع الجديد لمجلة التعمير.

فالعمليات المقترحة تمثل تدخلا عنيفا و عشوائيا في المجال الحضري و ستكون لها عواقب وخيمة على الأصعدة البيئية والنقل و الجمالية و إطار العيش و يمكن أن تفضي إلى كارثة عمرانية حقيقية لذلك أعتبر أن المراجعة الجزئية المزمع إنجازها تحتاج بدورها إلى المراجعة و إني أدعو إلى التريث و التعمق في الاقتراحات حتى نتفادى اختيارات تسيء إلى سكان المدينة و إلى الأجيال القادمة.

بقلم توفيق مقديش / مهندس خبير في التهيئة العمرانية والتخطيط الحضري

قد يعجبك ايضا