التنسيقيات لا تموت لكنها تتطور .. بقلم حافظ الهنتاتي عضو تنسيقية البيئة وناشط بالمجتمع المدني

مسيرة-سياب

أتابع منذ مدة ما ينشر بخصوص الانتخابات التشريعية في جهة صفاقس واطالع بين الفينة والأخرى بعض التدوينات وبعض المقالات التي تتناول هيكل تنسيقة البيئة والتنمية والتي تتضمن في أكثرها اتهامات لها أو لبعض قياداتها بالتلميح تارة وبالتصريح تارة اخر وتكيلها في بعض المرات الاتهامات واصفة هذه القيادات بالانتهازية وبالركوب على الهيكل لتحقيق مآرب سياسية . وبوصفي احد المؤسسين لهذا الهيكل حيث واكبت نشأته منذ الفترات الأولى لتكوينه وكنت ضمن فريق القيادة فيه لكل التحركات والمشاورات واللقاءات الرسمية وغيرها فقد وجب التوضيح للراي العام .

لقد لاحظت وبكل اسف صيغة التعميم وغياب الدقة فيما يكتب فانا لست العضو الوحيد في هيئة القيادة الذي لم يترشح الى الانتخابات القادمة سواء في قائمات الأحزاب السياسية ولا ضمن قائمات مستقلة فعدد الأعضاء غير المرشحين يفوق عدد المرشحين وهو اخيار شخصي لكل فرد منا .

كما أنني اعتبر ان الزملاء الذين قاموا بهذه الخطوة بكل قناعة وبكل استقلالية محقيين في ذلك ولا يمكن لاي كان ان يصادر الحق في ممارسة العمل النيابي حسب قناعاته وتصوراته فاللذي يجمعنا هدف واحد وللكل الحق في اعتماد الالية التي يتصور أنها القادرة على تحقيقه كما ان هناك حسب تقديري خلط واضح في ذهن من انتقد التنسيقية وهذا الخلط لا يفصل بين العمل السياسي الحزبي والعمل البرلماني، فالمجتمع المدني يمكن له بل المطلوب منه ان يبحث على موقع له في البرلمان للعمل على تحقيق ما يصبو اليه ويمارس الضغط من الداخل وقد اعتمدت الاحزاب على المجتمع المدني وليس العكس وهو ما سيعطيهم استقلالية اكبر وقدرة على فرض توجهاتهم وقناعاتهم .

لم تكن التنسيقة في أي مرحلة من المراحل جسما يخضع الى ضوابط الهيكل المنظم بل كانت ولا تزال اطارا تشاوريا للتنسيق في المواقف والتحركات جامعا لكل الاطياف السياسية والمدنية من اجل هدف معين وقد ولدت التنسيقة استجابة لتطلعات المواطنين للدفاع عن حقهم في التمتع باطار عيش كريم يحترم الحقوق البيئية والإنسانية جميعها وناضلت وتناضل ضد سياسات الإقصاء التي تعرضت لها ولا تزال ولاية صفاقس.

كما فرض الواقع السياسي في الجهة تشكيل هذا الهيكل ففي غياب ميداني للأحزاب السياسية وخاصة التي تمارس الحكم والقادرة على تبني مطالب الجهة ورفض المنظمة الشغيلة تبني هذه المطالب او اعتماد تصور يدافع على مصالح منظوريها كان على قوى المجتمع المدني ان تتنظم ذاتيا لتاطير الجمهور حتى يجد الفضاء الذي يعبر فيه عن مطالبه بشكل منظم و راق ويخلق قوة تصدي واقتراح ومتابعة لمشاريع في حاجة لها الجهة وهكذا وصل عدد الجمعيات التي انخرطت في التنسيقة الى حوالي الأربعين من مختلف التخصصات.

ان تبني جل القائمات الحزبية او المستقلة لعدد من القضايا التي طرحتها تنسيقة البيئة قد يراه البعض انتهازية سياسية ولكنه في المقابل هو في حد ذاته نتيجة إيجابية تحسب للتنسيقة ولا ضدها فالناجحون في الانتخابات والذين سيصبحون في موقع القرار سيكونون صوت صفاقس وقد يتوصلون الى تحقيق ما عجز عنه من سبقهم باعتبار ان مصلحة الجهة قبل مصالح الاحزاب وهم من تربوا في رحم المجتمع المدني.

ان تجربة النائب شفيق العيادي في التعامل مع تنسيقة البيئة هي أحسن مثال يمكن النسج على منواله فقد اختار النائب المحترم ان يدافع باستماتة على مطالب الجهة رغم انتماءاته الحزبية والتي تخلى عنها في مرحلة ما بعد ان اكتشف ان حزبه غير قادر لعدة اعتبارات موضوعية وذاتية عن المضي قدما على تبني هذه المطالب رم مشروعيتها.

وحسب تقديري كان من الأجدر على منتقدي التنسيقة و مهاجميها طرح تصورات لما بعد صدور نتائج بعد الانتخابات وكيفية تطوير هذا الهيكل المدني لمواصلة العمل كقوة ضغط مدنية من اجل ان تعود صفاقس لمكانتها الطبيعية كجهة يستطاب فيها العيش تساعد البلاد على تحقيق أهدافها باعتماد مقاربة التنمية المستدامة والحكم المحلي.

والأكيد ان هذا الهيكل الذي جاء استجابة لفراغ هيكلي في الجهة سيتكيف مع الأوضاع السياسية الجديدة التي تولدها الانتخابات ليواصل دفاعه على الجهة.

ان عملية تقييم صادقة وعميقة لما حققته التنسقية من إيجابيات من جهة و فترات الوهن والاخطاء التي قامت بها من جهة أخرى تبقى أساسية للبناء عليها مستقبلا وهو حسب تقديري مهم في ظل المتغييرات السياسية والاجتماعية التي تعيش على وقعها بلادنا.

ان انتهت التنسيقة كما يروج له البعض أو انها أصبحت في خبر كان أو تغلب الانتهازية على البعض من أعضائها كما كتبه البعض الأخر هو من باب العدمية ومحاولة لضرب قوة مجتمعية كان لها الدور الفعال في التصدي لاختيارات اقتصادية وسياسية مست وتمس جهة صفاقس و نجحت حينا وفشلت حيناً اخر لاعتبارات ذاتية وموضوعية ولعل البعض يقدم بقاء السياب كمثال على هذا الفشل وهم مخطئون فالقرار ليس بيد أعضاء التنسيقة والقوى الرافضة لهذا المطلب كانت اقوي من الحكومة بذاتها التي عاشت وهنا كبيرا في السنوات الماضية.

التنسيقة نحجت في تاطير المواطنيين للتعبير عن موافقهم وهذا دورها وهي تعكس الأدوار الجديدة التي تلعبها القوى المدنية في الدول الديمقراطية امام ضعف الأحزاب بشكلها التقليدي .

حافظ الهنتاتي / عضو تنسيقية البيئة وناشط بالمجتمع المدني

قد يعجبك ايضا