صفاقس: ندوة علمية بعنوان “الطاهر الحدّاد أيقونة الإصلاح التونسي”

الكتاب - مكتبة - مطالعة - قراءة

 

بمشاركة ثلة من المثقفين والكتاب والمبدعين والمهتمين بقضايا الحداثة، انطلقت يوم السبت 1 فيفري 2020, بالمكتبة الجهوية بصفاقس فعاليات ندوة علميّة بعنوان « الطاهر الحدّاد أيقونة الإصلاح التّونسيّ: السياق الثقافي والسياسي وآفاق التحديث » تندرج في إطار التظاهرة الوطنية « نقرأ من أجل غد أفضل » التي تنظمها وزارة الشؤون الثقافيّة بالمكتبات العمومية.

ويعد الطاهر الحداد كما بينت ذلك أمينة المكتبة العمومية بصفاقس مليكة شعبان في مستهل الندوة خامس علم من أعلام الفكر والثقافة يُحتفى به ضمن تظاهرة « نقرأ من أجل غد أفضل » في صفاقس، بعد كل من بن خلدون وزبيدة البشير ومحمد العروسي المطوي ومحمود المسعدي على أن تتواصل السلسلة حول خمس شخصيات تونسية أخرى هي بشيرة بن مراد وعبد الوهاب بوحديبة هشام جعيط وحمادي صمود والطاهر بن عاشور.

وأجمع الأساتذة والباحثون المحاضرون في اليوم الأول من هذه الندوة التي تشتمل على جزء ثان خصص اليوم الاحد لزيارة المعالم الأثرية لمدينة صفاقس على فكرة رئيسية مؤداها أن فكر الطاهر الحداد كمصلح اجتماعي ونقابي وزيتوني وكأيقونة للفكر الإصلاحي التونسي ما يزال صالحا إلى اليوم وأن الاهتمام بكتابه « امرأتنا في الشريعة والمجتمع » لم ينقطع بعد مرور 89 سنة.

وتحدث فتحي القاسمي الذي تولى في إطار هذه الندوة توقيع كتابه « ثلاثة كتب في الردّ على الحدّاد لمحمّد صالح بن مراد وعمر البريّ المدنيّ ومحمّد البشير النّيفر »، عن فكر الطاهر الحداد الإصلاحي باعتباره « من المحطات الهامة التي صنعت تاريخ تونس الحديث والإصلاح الذي رفع رايته المصلح الزيتوني المستنير رغم عين السقط الذي نظر بها إليه عدد من أبناء عصره ».

وأضاف قائلا: « رغم أنه عاش فقط 36 سنة فانه زلزل الكثير من الثوابت » وفاجأ العالم الغربي آنذاك الذي كان يعتقد أنه سيحول تونس إلى قطعة شطرنج مسيحية فوجد أمامه الحداد وأمثاله بما حملوه من فكر حداثي تجلت أحلى وأروع صوره بشكل خاص عندما اقتران بالمرأة.

من جهته تناول الباحث في تاريخ الفنون والنظريات النقدية خليل قويعة في مداخلة بعنوان « السياق الثقافي التونسي وتشكلات الوعي الحداثي بين الحربين » فكر الطاهر الحداد كمنظومة أفكار في مرحلة الثلاثينات والأربعينات، واصفا إياه بالمرحلة الفارقة في مسألة الحداثة في علاقة بمقولات الهوية والذات وفي سياق تاريخي طبع بالمقاومة ضد الاستعمار والتعددية في الأصوات النضالية والتصادم بينها أحيانا ومنها ذلك الذي حدث بين الثعالبي وبورقيبة.

واعتبر أن هذا السياق انتهى بنض جديد في مفهوم المقاومة والوطن وألقت بضلالها على الحراك الثقافي والفني وبناء المشهد الحداثي التونسي الذي كان الحداد أحد أبرز رواده.

وفي مقاربة بحثت عن تواصل الاهتمام بفكر الحداد، استحضر الدكتور سهيل الحبيّب عن مركز الدراسات الإسلامية بالقيروان السياق الذي جاء فيه الطاهر الحداد معتبرا إياه سياقا لانقطاع العمل الإصلاحي العربي، فشكل فيه هذا المصلح التونسي « علامة فارقة » ومؤكدا في ذات الوقت أن اللحظات المفصلية التي نعيشها اليوم لا مفر فيها من النهل من فكر الحداد وما أتى به من إضافات لفكر خير الدين التونسي وابن أبي ضياف ورفاعة الطهطاوي الذين انحصر خطابهم على ثنائية الحاكم والرعية دون أ يجرأ على فكرة الإصلاح الاجتماعي ومواجهة الفكر المحافظ وفق رأيه.

وقال الحبيّب: « لا معنى لمقولة المواطنة دون فكرة المساواة بين الجنسين التي دافع عنها الحداد بعيدا عن النظرة الليبيرالية الكلاسيكية ولكن في علاقة تواصل بين الإصلاح السياسي والإصلاحي الاجتماعي والإصلاح من داخل منظومة الخطاب الإسلامي المحافظ ».

واعتبر أن مجلة الأحوال الشخصية تعد بشكل عام تقريبا عمليا لمضمون كتاب الشيخ الطاهر الحداد « امرأتنا بين الشريعة والمجتمع » وتكريسا لبلوغ التحررية مداها الذي لم تبلغه من قبل في تونس.

كما اعتبر أن « فكر الحداد وهو الآن بعد انقطاعه في لحظة استئناف جديدة تفرض نفسها لمواجهة خطاب الإسلام السياسي الراهن وتكريس التحررية الاجتماعية التي بينت أحداث ما بعد 2011 أنها تحررية متأصلة في المجتمع ».

وتحدثت صدق السلامي عن صورة غير الصورة المعروفة عن الحداد كمصلح ونقابي وزيتوني المنحدرة من كتابيه الشهيرين « امرأتنا بين الشريعة والمجتمع » و »العمال التونسيون وظهور الحركة النقابية »، وهي صورة الطاهر الحداد الشاعر وذلك من خلال كتاب خواطر وأشعار » الذي يجمع عديد القصائد التي نظمها ونشرت في عديد المجلات والجرائد. وتعكس هذه الأشعار وفق صدق السلامي مواقف الرجل الناقدة للتعليم الزيتوني بغية تطويره من الداخل وفتح باب الاجتهاد والانفتاح أمامه وذلك بنقد طريق الحفظ والتلقين البعيدة عن الجمود والتكلس في فهم النصوص الدينية.

وتمحورت الجلسة العلميّة الثّانية للندوة حول مساهمات الحداد في الحركة السّياسيّة والنّقابيّة بتونس افتتحها الأستاذ المنصف القابسي (كلية الآداب والعلوم الإنسانيّة بصفاقس) بالبحث في « فكرة الاقتصاد التّضامني في تونس من خلال كتاب العمّال التّونسيّون وظهور الحركة النّقابيّة للحدّاد ».

كما قدمت الأستاذة سنية حمدي نتائج بحث تاريخي حول محور « الاستعمار الفرنسيّ والحركة العمّاليّة والنّقابيّة: شهادات تاريخيّة ». تلتها مداخلة الأستاذ عارف العليمي الذي حاول البحث في دور الحداد النقابيّ والسياسيّ وصلته بالزيتونة وذلك من خلال مداخلة اختار لها عنوان « دور الزّيتونيّين في تشكيل الحركة النّقابيّة والدّستوريّة في تونس من خلال المساهمات الإصلاحيّة للطّاهر الحدّاد ».

وتناولت منّوبيّة بن غذاهم (المعهد العالي للّغات بتونس) ضمن محور « الحدّاد في ذاكرة تونس »، بالحديث « الإصدار الجديد للـتّرجمة إلى الفرنسيّة لكتاب امرأتنا في الشّريعة والمجتمع وهو إصدار ظهر في ديسمبر 2019 عن دار محمد علي للنّشر ومعهد تونس للتّرجمة.

وات

قد يعجبك ايضا