مؤتمر وطني لتنقيح النظام السياسي و قانون الانتخابات : بقلم أنيس الجزيري

أنيس الجزيري

بعد المصادقة على دستور 2014 و تنصيب أول حكومة بعد انتخابات اواخر نفس السنة، حكومة الصيد، ظهر للعيان اشكالان كبيران في تنفيذ بنود الدستور في ما يخص النظام السياسي و القانون الانتخابي، الأول تسبب في صراع كبير بين قرطاج و القصبة و باردو، و الثاني تسبب في تشتت كبير في البرلمان و عدم تمكن كتلة واضحة من تسيير البلاد و التجأنا إلى توافق مغشوش دمر البلاد لمدة خمسة سنوات و قد تعمقت الأزمة في عهد رئاسة الشاهد للحكومة، حيث عشنا شلل تام لمؤسسات الدولة و تنازع صلاحيات على أشده خاصة بين قرطاج و القصبة، أدت إلى وثيقة قرطاج 1 و 2 …

قبل نهاية 2015 نبه عديد الناشطين السياسيين لعدم صلوحية هذا النظام السياسي الهجين و القانون الانتخابي التعيس، لكن الأحزاب للاسف لم تعر هذا الشأن الاهتمام اللازم و كانت مركزة جهودها على الانتخابات و تقاسم الكعكة مهما كان حجمها،

بعد إنتخابات 2019 عدنا لنفس الأشكال، مجلس نواب مشتت اتعس من سابقه، صراع سياسي كبير بين قرطاج و باردوا و تنازع الصلاحيات خاصة في الشأن الديبلوماسي مما دعا رئيس الجمهورية في كلمته الأخيرة بمناسبة العيد لتوضيح ان لتونس رئيس دولة واحد يمثلها داخليا و خارجيا، كذلك صراع موازي بين باردوا و القصبة حيث تفاجأ الشعب التونسي بائتلاف حكومي في القصبة و ائتلاف مغاير في البرلمان عطل مشاريع القوانين و عمق الاحتقان السياسي،

ماهو الحل و ما هي السبل للخروج من هذا المأزق ؟

أولا ستكون هناك مبادرة من رئاسة الجمهورية لتغيير النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي و تغيير القانون الانتخابي ليكون على الأفراد عوض القائمات، و أغلب الظن سيسقط المشروع في مجلس النواب لعدم موافقة خاصة النهضة و ائتلاف الكرامة و ممكن كتل أخرى على النظام الرئاسي، سيحاول الرئيس الضغط بالشارع و الشعب يريد، لكن لن يفلح في إنجاح مشروعه في مجلس النواب و ليس له إمكانية الالتجاء الى الاستفتاء ما دام مجلس النواب رافض للمشروع تماما ،

ثانيا هناك محاولات من بقايا النظام القديم لتغيير النظام السياسي و القانون الانتخابي عن طريق الضغط الشعبي و إعتصام الرحيل 2، و حسب رأيي أغلب المتابعين للشأن السياسي، سيفشل هذا التوجه لعدم قدرتهم على التعبئة مثل 2013،

ثالثا هناك مبادرة من إتحاد الشغل بعد لقاء رئيس الجمهورية لتنظيم استفتاء شعبي حول المسألتين، و لا نظن ان مجلس النواب سيوافق على الاستفتاء، ثم الشعب التونسي مازال ليس لديه النضج السياسي الكافي في الوقت الحالي لاختيار احسن نظام سياسي و قانون الانتخابات يتماشى مع تونس في الظروف الحالية،

ما هو الحل إذن ؟

لا نرى سوى تحضير و تنظيم مؤتمر وطني جامع يشمل كل الطبقة السياسية، يقع إختيار ثلة من الشخصيات الوطنية النزيهة لتقييم تجربة الحكم منذ إقرار دستور 2014 إلى يومنا هذا و تحضير لائحة المؤتمر تتضمن مخرجات التقييم و مقترحات لنظام سياسي جديد بما يضمن حوكمة احسن للدولة، و قانون انتخابي جديد بما يضمن تكوين أغلبية متجانسة للحكم و تنفيذ برنامجها و الابتعاد عن شبح عودة للاستبداد من شباك نظام “الواحد الاحد و ما كيفوا حد”.

بالنسبة للجنة التي ستنكب على تحضير تقييم تجربة 2014 – 2020 من المستحسن ان تضم ثلة من المؤسسين و رؤساء الجمهورية و رؤساء الحكومة السابقين على غرار الدكتور مصطفى بن جعفر و الدكتور منصف مرزوقي و حمادي جبالي و حبيب الصيد و مهدي جمعة و على العريض و يوسف الشاهد …، و ثلة من خبراء القانون الدستوري، و ثلة من الناشطين السياسيين على غرار أحمد نجيب الشابي و حمة الهمامي و غيرهم،

تكون مدة التقييم من أوائل جوان إلى أواخر سنة 2020 و يتم إحداث لجنة لوجستية تقوم بتحضير المؤتمر في السداسي الأول من سنة 2021 على أسس مخرجات لجنة التقييم،

بمناسبة هذا العيد الاستثنائي بعد أزمة الكورونا ندعوا الأحزاب و المنظمات الوطنية و الشخصيات السياسية لبلورة رؤية و تمشي يضمن نجاح هذا المؤتمر الوطني لتعديل القانون الانتخابي و نظام الحكم، لتحضير الاستحقاقات الانتخابية ل 2024 على أسس صلبة جديدة و تجنيب تونس أكثر مضيعة للوقت و احتقان سياسي و صراعات جانبية بعيدة كل البعد عن مشاغل الشعب.

أنيس الجزيري

قد يعجبك ايضا