محسن حسن حول الاتفاقيات الاستثمارية مع تركيا وقطر : آن الأوان لتقتنص تونس كل الفرص المتاحة بعيدا عن الصراعات الوهمية
جدل سياسي واقتصادي جديد يطفو على سطح الاحداث في تونس بعد ان اختلفت الساحة الوطنية في تقييم مسالة الصناديق الاستثمارية القطرية والتركية منها، الامر الذي دفع بالبرلمان وبدعوة من الحكومة الى تأجيل النظر فيها الى موعد لاحق دون تحديد سقف زمني لذلك.
وقد اشتد النقاش مع بروز خلافات حادة حول الاتفاقيتين ليختلط فيها الموقف السياسي بالاقتصادي في تداخل يصعب معه فك الارتباط خاصة وان للرافضين حججهم وللداعمين للاتفاقية حججهم ايضا.
ومع ارتفاع منسوب الاختلاف احتكمت السلطة التنفيذية ممثلة في شخص رئاسة الحكومة الى تدوير الزوايا الحادة بالدعوة الى تاجيل النظر في الاتفاقيتين حتى تجد لها الارضية الصلبة داخل البرلمان بعد ان عجزت الحكومة عن اقناع احزاب الائتلاف الحاكم بالتصويت للاتفاقات وضمان نسبة 50+1 اي 109 نائب لتمرير الاتفاقات.
وفي الأثناء قال الخبير المالي والاقتصادي محسن حسن في مقالة منشور على صفحته الرسمية على الفيسبوك أنه آن الأوان أن تتنازل الطبقة السياسية عن كبريائها و تقتنص كل الفرص المتاحة لتطوير التعاون الدولي و المساهمة في خلق النمو الإقتصادي الدامج بعيدا عن الصراعات الوهمية.
وفي ما يلي كامل المقال :
تابعت عديد التحاليل و المواقف حول مشروعي القوانين المذكورين و المعروضين على مجلس نواب الشعب للمصادقة بعد الموافقة عليهما من قبل لجنة الحقوق و الحريات منذ شهر فيفري الماضي،مواقف حددتها الإنتماءات الحزبية و الأيديولوجية دون دراسة قانونية و إقتصادية علمية تضع مصلحة تونس فوق كل الاعتبارات و الولاءات.
بالنسبة لمشروع القانون المتعلق بتشجيع و حماية الإستثمارات بين تونس و تركيا ،أود أن أشير إلى ما يلي:
1: تربط تونس و تركيا إتفاقية مماثلة تعود إلى سنة 1991 و يعتبر مشروع القانون المعروض محاولة لتطويرها بما يتماشى و القانون الدولي للإستثمار و كذلك قانون الإستثمار في تونس، لابد من التذكير أيضا بأن تونس أمضت ما يزيد عن50 إتفاقية ثنائية مشابهة لنفس الغرض،
2: لا علاقة لهذه الإتفاقية الثنائية بإتفاقية التبادل التجاري الحر المبرمة بين البلدين و التي دعوت إلى تطويرها و مراجعتها بما يمكن من الحد من العجز التجاري بين البلدين .
3: تعتبر هذه الإتفاقية أحد الحلول لدفع الإستثمار التركي في تونس و الحد من تأثيرات إرتفاع العجز التجاري بين البلدين و تحويل تونس إلى منصة للصناعة التركية الموجه خاصة للدول الإفريقية.
4: لا تشمل هذه الإتفاقية العمليات التجارية و كذلك الإستثمارات و المساهمات التي تقل عن 10%من رأسمال الشركات و بالتالي فهي تخص الإستثمارات في القطاعات المنتجة و المشغلة،
5: لا تمنح هذه الإتفاقية المستثمرين الأتراك إمتيازات إستثنائية حيث أن قانون الإستثمار التونسي لا يسمح بالتمييز بين المستثمرين الأجانب و المحليين و كذلك المقيمين و غير المقيمين،
6: لا تمس هذه الإتفاقية من السيادة الوطنية بأي حال من الأحوال و لا تعطي للمستثمرين الأتراك الحق في تملك العقارات إلا بما يسمح به القانون التونسي الحالي و الذي يمنع تملك الأجانب للأراضي الفلاحية بصفة قطعية و يسمح بتملك عقارات في المناطق الصناعية و يخضع تملك بقية العقارات لترخيص الوالي ،
7: في حال نشوب نزاعات ، تنص الإتفاقية على اللجوء للتحكيم التجاري ثم بعد ذلك القضاء و هذا التوجه معمول به في جل الاتفاقيات ذات البعد الإقتصادي و المالي الدولي و ليس فيه أي مساس بالسيادة الوطنية أو إستنقاص من دور القضاءالتونسي .
أعتقد أنه من الضروري التحلي بالمسؤولية و العمل على الإستفادة من هذه الإتفاقية لدفع الإستثمارات التركية في تونس بعيدا عن كل توظيف سياسي و إيديولوجي.
في ما يتعلق باتفاقية المقر بين تونس و صندوق قطر للتنمية ،يجب الإشارة إلى أن جل مؤسسات التمويل و التعاون الدولي المنتصبة في تونس أمضت إتفاقيات مماثلة شكلا و مضمونا و تحصلت على نفس الامتيازات المتعلقة بطرق التسيير و الإنتداب و تحويل المرابيح و من هذه المؤسسات الفاعلة أذكر وكالة التعاون الامريكيةUSAID و كذلك الوكالة الألمانية GIZ …كما تحصلت جل الشركات الخليجية كسماء دبي و كذلك مشروع بوخاطر على نفس الإمتيازات المذكورة في نص الإتفاقية.
ينتظر أن يساهم الصندوق القطري في تمويل مؤسسات القرض الصغير و المؤسسات المالية بما يمكن من خلق فرص عمل و توفير التمويلات الضرورية لدفع الإستثمار في المشاريع الصغرى خاصة .
درست بكل تدقيق مشروع هذه الإتفاقية و لم أجد ما يمس سلبا من سيادتنا المالية أو الإقتصادية بل بالعكس ،أعتقد، أن بلادنا في أمس الحاحة إلى تواجد كل الصناديق السيادية الخليجية في تونس لدفع الإستثمار و تمويل الإقتصاد و تطوير التعاون العربي في هذا المجال.
آن الأوان أن تتنازل الطبقة السياسية عن كبريائها و تقتنص كل الفرص المتاحة لتطوير التعاون الدولي و المساهمة في خلق النمو الإقتصادي الدامج بعيدا عن الصراعات الوهمية.