أضرّت بها الوعود والمجالس الوزارية: الدولة تُسقِطُ أهالي قابس من قائمة الحق في الحياة والحرية

 شط سيدي عبد السلام قابس

“قابس شهيدة في بلد جريح”..هكذا تحدّث رئيس الجمهورية قيس سعيد ذات يوم أحد.. خلال زيارته لمكان حادثة الإنفجار الذي جدّ بصهريج بمصنع إسفلت منتصب بالمنطقة الصناعية بمدينة قابس والذي أسفر عن سقوط ضحايا هُم في واقع الأمر”شهداء الخبزة”.

مجالس وزارية و وعود أضرّت بالجهة

“قابس شهيدة” ومثلما أفاد بذلك الأستاذ الرئيس، سبِق لها و أن شهدت عديد المجالس الوزارية التي خُصِّصت لفائدتها دون أن ينالها أيّ مُنجز من عشرات النقاط التي يتمّ تضمينها صلب محاضر المجالس ولتظلّ حبرا على ورق..قابس ما يزال أهاليها يعانون ويلات التنقّل إلى ولاية صفاقس بهدف جلب الأدوية الخصوصية والتداوي والمعالجة من أورام السرطان القاتل الذي أصاب جلّ العائلات بالجهة جرّاء تلوّث قاتل مميت أتى على الأخضر واليابس، واليوم ومع تجاوز أجل شهر سبتمبر الذي تمّ الإعلان عنه لبعث صيدلية تُعنى بتوزيع الأدوية الخصوصية صلب مركز علاج للأورام السرطانية لا أحد يعلم عن التاريخ النهائي الذي سيضع حدّا لهذا المشكل.

مجالس وزارية متكرّرة انطلقت في ديسمبر2013 وآخر في جوان 2015 تلاها مجلس ثالث في أوت2019 حمل معه 69 قرارا ما تزال تنتظر التفعيل وكان آخرها المجلس الذي انعقد في ديسمبر2020 لتظلّ بذلك جل المشاريع الكبرى معطّلة والتي من شأنها أن تُغيّر كلّيا ولاية قابس وتُنهي معضلة سكب الفوسفوجيبس في البحر بعد أن التزمت بذلك إحدى الحكومات في جوان2017 وليبقى حُلم “المدينة الصناعية الجديدة..النظيفة” إحدى شعارات الحكومات التي تُسوّقها لحملاتها الإنتخابية في كل محطّة.

نيل من مصداقية الحوار الإجتماعي

حكومات ماقبل الثورة التي تعاقبت زمن بورقيبة وبن علي كانت تعي جيّدا أنّ النيل من مجال التفاوض مع المنظّمة الشغيلة سيؤدّي حتما إلى انسداد أُفُق و سُبُل التقدّم بالسير العادي لدواليب البلاد، وذات هاته الحكومات التي ارتكبت الأخطاء الفادحة في التعامل مع الإتحاد العام التونسي للشغل عجّل بسقوطها ودخول البلاد في منعرجات من قبيل الخميس الأسود وحبك المؤامرات للنقابيين والزج بهم في السجون باعتبار أنّ القبضة الأمنية كانت السبيل والآلة الوحيدة التي اعتمدتها السلطة لتنفيذ مآربها، وليس ببعيد تكرّرت نفس الممارسات وعمدت حكومات بعد الثورة إلى استعمال القوة “المشروعة” والتي كانت مُفرطة و مميتة تجاه المواطنين العزّل في جميع المحطّات، سواء تعلّق ذلك باحتجاجات نشطاء بيئيين مطالبين بحقّهم في الحياة وبيئة نظيفة خالية من التلوّث أو تجاه التظاهر السلمي وكذلك الصحفيين الميدانيين خلال قيامهم بالتغطيات الإعلامية والتي ما تنفكّ تتكرّر الإعتداءات عليهم في كلّ مرّة.

آلة القمع التي لا تُميّز بين حقّ المواطن في الحياة وحقّه في التظاهر السلمي لا يمكن لها بأي حال أن تدوم و أن تخلق مناخات تواصل وبناء بل عكس ذلك هي بصدد النيل من مصداقيتها في الحوار الإجتماعي القائم على وضع جميع المعطيات على طاولة التفاوض الجدّي لا عزل الجهات وإغراقهم في كمّ نفايات وغازات قاتلة تنفث سمومها تكاد بشكل يومي المصانع الملوِّثة المنتصبة على بعد أمتار من المناطق السكنية على غرار ما يحدث مع متساكني منطقة شط السلام بقابس دون أدنى مقوّمات أو توفّر بُنى تحتية صحية بالجهة قادرة على رأب ما تقترفه الدولة في حق الولاية في مجانية العلاج وتوفير الأدوية باعتبار ما تحفظه الإتفاقيات الدولية في مجال الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية لكل متضرّر من التلوث من حقوق.

لا مجال إلاّ تفعيل الفصل45 من الدستور

قابس وفي انتظار وضع حد للجريمة النكراء التي تُقترف يوميا في حقّها لا تنتظر سوى حقّها الدستوري في تفعيل الفصل45 الذي ينصّ على: ” تضمن الدولة الحق في بيئة سليمة ومتوازنة والمساهمة في سلامة المناخ. وعلى الدولة توفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث البيئي “، هذا النص الذي يعكس حق الأهالي في الحياة والذي لعلّه سيدفع بشكل أو آخر إلى موجة جديدة من التحرّكات دفاعا عن تفعيل هذا الحق الذي مع كل يوم يموت فيه مواطن بجهة قابس جرّاء مرض السرطان فهو يُعتبر جريمة تقترفها الدولة تجاهه وتكون بذلك قد أسقطت بل أعدمت حقّه في الحياة.

صابرعمري

قد يعجبك ايضا