ما علاقة مهندس الناسا محمد عبيد بالمناضل المهندس الجيولوجي الحبيب المعزون؟

رغبت بسعادة غامرة في أن أكتب نصا مختزلا عن المهندس محمد عبيد باعتبار أنه شخصية وقّادة وملهمة. وكانت في ذهني حكمة العرب “خير الكلام ما قل ودل”. وفي ذات الوقت استحضرت مقولة للفرنسيين ” نم على موضوعك”، لأن الليل حمّال للأفكار …

والحديث عن المهندس محمد عبيد يعني في البدء شيئا واحدا وهو أن منهاج التقدم لا يخرج عن العلم والمعرفة، وأن المسك بخيط الشمس لا يأتي إلا بالاحتفال بعلمائنا ومبدعينا ، وتنزيل فنانينا ورموزنا التاريخية الموقع المناسب. فقد خيم الشجن الاجتماعي الكاشف عن العتمة السياسية التي طالت على حياتنا، وعن الدولة التي أصبحت لا تملك مثقال ذرة من المصداقية. وتوالت هزائمنا بتقرير محكمة المحاسبات عن بلدية صفاقس ليدلّنا عن مستنقع مقرف تسبح فيه مجالس بلدية عشّش فيها التخلف وتدّعي أنها “تسيّر” هذه المدينة. فقد تمدد الفساد وانبسط وطغت المصلحيّة الضيّقة وانهمك “المسؤول” في السيارة والمكتب، والمصعد، وغرق آخرون في المضاربات والوساطات، وأصبحت أهم من الاعتناء بحديقة أو تنظيف شارع أو شراء كتاب أو استدعاء محاضر، أو إقامة معرض، أو ترميم منارة….وكان عليهم أن يغادروا وكلّهم خجل بعدما انقطع حبلهم !!!
وحتى نبقى في مناطق الضوء نشير إلى أن المهندس محمد عبيد هو نتاج المدرسة Ecole العمومية التونسية بكل مستوياتها الابتدائية والثانوية والجامعية. وهو شخص موهوب كأحد عباقرة الهند، وجد طريقه بسرعة عبر سماء فرنسا الى الولايات المتحدة الامريكية التي تقود عالم البحث والتكنولوجيا في العالم.

والمهندس محمد عبيد صاغ في السنوات الأخيرة كتابا عن الاقمار الصناعية والمركبات الفضائية في سلسلة كتبه ومقالاته، وكان له حظ عظيم أن دعي – كما أعلمني بمنتهى اللطف والبشاشة حينها – إلى التفرغ لتدريس هذا الكتاب للطلبة، وهذه خاصية لا تعرفها منظومتنا التربوية. وإذا أخذنا بآخر التطورات في العلوم الاجتماعية لما يعرف ببسيكو/ تاريخ التي تدرس الدوافع السيكولوجية التي قد تكون وراء الشخص الاستثنائي منذ عهده الأول، نجد على الأقل إشارتين :

1- المهندس محمد عبيد كان تواقا الى الهندسة ومغرما بها ولم يشف من غرامه بهذا الاختصاص الا بالحصول على دبلوم الهندسة الميكانيكية، والحقيقة – كما يقول- لم يأت اهتمامه بعلم الفضاء إلا بعد فترات لاحقة تميزت لا شك بالمثابرة الدؤوبة والأسئلة الثاقبة وبالتسلح بالعلم والعمل والذكاء والخبرة المتراكمة.

2- المهندس محمد عبيد كان منذ صغره يحمل مثالا أعلى في شخص خاله الحبيب المعزون أول مهندس في الجيولوجيا بصفاقس وقد اختص في المياه وكان وراء حفر عديد الآبار بصفاقس وقرقنة، وهو إلى جانب ذلك مناضل من طراز رفيع اغتالته المخابرات الفرنسية بتونس في حادث غدر مرتّب سلفا، لم يكشف عنه إلى اليوم. والمهندس محمد عبيد مدين للمهندس الحبيب المعزون لأنه أعطاه المفتاح الذهبي لحفزه، وفتح له بابا لطموحاته. وقد عجزنا إلى اليوم عن تخليد ذكرى أول مهندس بصفاقس وأعماله العظيمة في الهندسة الجيولوجية المائية ورحلة كفاحه النضالي المجيد، رغم أنه يشكل مجالا خصبا ومغريا للباحثين.

إن الموهوبين والنابغين الذين نسميهم في القاموس الإعلامي بالكفاءات أو الموارد البشرية (والأفضل الحديث عن طاقات معرفية) يعدّون بالمئات والآلاف من صفاقس وغيرها، تحتضنهم اليوم فرنسا وألمانيا وكندا والولايات المتحدة الامريكية وحتى اليابان. إنها ثروة لا تقدر بثمن، وقد حرصت على سبيل المثال دولة سنغافورة على منع تسرب كفاءاتها إلى الخارج منذ بدء مسيرة تقدمها سنة 1963 وبذلك ضمنت سنغفورة نجاح تجربتها في طرف عشرين عاما، كما حصل مع ماليزيا.

دعنا نختم بعبارات مرصوصة بالفخر في هذا الظرف الوطني البائس لما وصلت إليه جامعة صفاقس من تصنيف مميز في ترتيب الجامعات العربية، وبالاعتزاز لما تثيره كتابات ولقاءات د. خديجة معلى من عقلانية وانفتاح على الحداثة من خلال عباراتها الدالة والمفتاحية في تفكيك تضاريس الوطن ومناخاته، ولحضورها البارز على المستوى الوطني والدولي سواء بالصحافة الوطنية أو إذاعة تونس الدولية أو إذاعة سويسرا الدولية باللغة الانجليزية أو على شبكة السوشيل ميديا…

رضا القلال