صفاقس: نشر دراسة علمية عن حوكمة التصرف في المياه المستعملة في تصفية الدم لفريق من الباحثين بالمجلة العلمية كيدناي انترناشنول

تصفية الدم

نشرت المجلة العلمية “كيدناي انترناشونول” Kidney International الناطقة باسم الجمعية العالمية لأمراض الكلى الأسبوع المنقضي نتائج دراسة علمية عن حوكمة التصرف في المياه المستعملة في مراكز تصفية الدم لفريق من الباحثين على رأسهم رئيس قسم أمراض الكلى بالمستشفى الجامعي الهادي شاكر والباحث بمخبر أمراض الكلي بكلية الطب بصفاقس، الدكتور محمد بن حميدة.

ويُعدّ هذا البحث أوّل بحث تونسي يصدر بهذه المجلة العلمية ذائعة الصيت على الصعيد العالمي في نشر المستجدات الخاصة بتطورات أمراض الكلى وعلاجها.

وقد ساهم في هذه الدراسة، التّي جاءت تحت عنوان “تهديدات وفرص التقليص من استعمال الماء في تقنية العلاج بتصفية الدم: نداء إلى العالم” « Water implications in Dialysis Therapy, Threats and Opportunities to Reduce Water Consumption : A Call for the Planet. https://doi.org/10.1016/j.kint.2023.04.008 » كل من الباحث في البيئة، محمد الكسيبي، والباحث في الكيمياء البيولوجية، الطاهر المشيشي، وهما أستاذان بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس بالإضافة إلى الباحثة الإيطالية في أمراض الكلى، جيورجينا باربارا بيكولي.

ويتميز البحث بتجسيم المقاربة التشاركية الأفقية بين الميدان الطبيّ والميدان الهندسي بالأساس من خلال مشاركة باحثين في الطب وفي مجالي الهندسة البيئية والبيولوجية بالإضافة إلى الانفتاح على المحيط المتوسطي، الذي يعرف “تهديدات جديّة ناجمة عن معضلة الجفاف الملقاة على كاهل الضفتين الشمالية والجنوبية للمتوسط وذلك من خلال مساهمة الباحثة الإيطالية في أمراض الكلى، جيورجينا باربارا بيكولي، في هذا العمل العلمي، الذي استغرق إنجازه ثلاث سنوات، كما أوضح ذلك الباحث، محمد بن حميدة، ل(وات).

وتطرح الدراسة إشكالية الماء في العالم في إطار التغيّرات المناخية الحالية والاحتباس الحراري وشح الموارد المائية، الذّي ينعكس على صحّة الإنسان ويتسبب في مخاطر جمّة، خاصّة، مع تراجع كميّات الأمطار وعدم التوازن في توزيع المياه بين المناطق والصعوبات في النفاذ إلى مصادر وينابيع مياه الشرب.

كما تتضمن دعوة للعالم بأسره لتغيير السلوكات السائدة في التعامل مع الماء، ممّا يطرح تهديدات جديّة وفرصا في ذات الوقت من خلال تأمين مصادر الماء والبحث عن حلول تعتمد على الطبيعة وتحترم قواعد حسن التصرّف في الماء.

وتوخّت الدراسة، بحسب ما بيّنه بن حميدة، “مقاربة تأخذ بعين الاعتبار في آن واحد المعطيات والمقتضيات العلمية الخاصة بالتعامل مع الماء في علاج تصفية الدم لفائدة مرضى القصور الكلوي بصفة خاصة والتعامل الإنساني الخطي مع الماء بصفة عامة، بما يعطي هذا العمل العلمي أهمية مضاعفة : خاصة وشمولية في ذات الوقت”.

وتشير المعطيات الواردة بالدراسة إلى أن معدل استهلاك الماء في حصص تصفية الدم، التّي يخضع لها سنويّا قرابة 3،4 مليون مريض عبر العالم، بحوالي 265 مليون متر مكعب، كما تبرز البيانات المضمنة في الدراسة الانعكاسات البيئية السلبية لعملية تصفية الدم.

وينتهي المطاف بثلثي كمية المياه المستعملة في عملية تصفية المعتمدة على تقنية التناضح العكسي في قنوات الصّرف الصحي (176 مليون متر مكعب)، وهي كميّات مهدورة تحتاج إلى تثمين ورسكلة من جديد بما يجعها قابلة لإعادة التدوير وإعادة الاستخدام بحسب، بن حميدة. وبيّن أن أهمية الانتقال من الحلقة المفرغة، التي يكرّسها التعامل الخطّي مع الماء (تقليديا ، يستخدم البشر المياه بشكل خطي: الاستخراج والاستخدام والتخلص منها) إلى الحلقة المثمرة، التي يتيحها التعامل الدائري الثلاثي القائم على التثمين والرّسكلة وإعادة الاستغلال.

ويستهلك قطاع تصفية الدم في تونس زهاء 1,2 مليون متر مكعب من الماء سنويّا. ويمكن، يقول محمد بن حميدة، حسب ما تتيحه ضوابط علمية منشورة ومصادق عليها عالميا إعادة الاستغلال المباشر ل800 ألف متر مكعب منها في تونس في عديد المجالات كتربية الأسماك والمسابح وريّ الملاعب والحدائق العمومية وغسل الطرقات والملابس والسيارات وتنظيف المراحيض… كما دعا سلط الإشراف من وزارتي الصحة والفلاحة وكافة القوى الفاعلة إلى تنظيم يوم دراسي لضبط خطة إستراتجية في هذا المجال.

واعتبر بن حميدة أن سياسة تونس في التصدي إلى معضلة ندرة المياه تفتقد “السلاسة” ويصعب معها تحقيق الإجراءات المقررة في إطارها باعتبارها سياسة “تحمّل المواطن أعباء الأزمة دون تقديم بدائل علمية ناجعة قابلة للتجسيم”. كانت وزارة الفلاحة والموارد المائية أعلنت في الفترة الماضية عن جملة من التدابير القائمة على الحد من استهلاك الماء في الاستعمال المنزلي والمهني.

وتشدّد الدراسة على ضرورة الالتزام على الصعيد الكوني بوضع حد للاستهلاك المفرط وغير المتوازن للمياه دون تثمين أو إعادة رسكلة في حين يتيح التطور العلمي فرصا واعدة وحقيقية للتثمين لقاء كلفة مالية ينبغي توفيرها وتعبئة الموارد اللازمة لها. و تشير في هذا الصدد إلى أن “تصفية الدم كغيرها من مجالات الصحة العامة تحتاج إلى وضع برامج بأهداف واضحة وتعاون بين مختلف المتدخلين مع أخذ القرارات والتدابير اللازمة وتنفيذها”.

كما تبرز الدراسة دور عديد الأطراف لتحقيق التوازن المنشود وحوكمة التصرف في الموارد المائية خاصة في مجال تصفية الدم وفي مقدمة هذه الأطراف مهنيو الصحة ومؤسسات العلاج والمنشآت العلمية والشركاء الصناعيون.

من زاوية أخرى، يلاحظ أن الدراسة تتميّز بنوع من “المزج بين العلوم الصحيحة والعلوم الإنسانية لأن الغاية في النهاية هي الوصول إلى تغيير السلوكيات على نحو يضمن تجسيم الاستدامة في الموارد المائية وتعميق الوعي في قضيّة من الخطورة بمكان” بحسب تعبير الباحث بن حميدة الذي اعتبر أن لا حل في “معالجة أزمة الماء المتفاقمة في تونس كما في غيرها من الدول غير الحوكمة”.

وات

قد يعجبك ايضا