عقارب: تقديم كتاب “صفاقس المحروسة : رحلة الذاكرة والتاريخ” للمؤرخ عبد الواحد المكني

عقارب: جلسة ثقافية علمية، تنسيق الأستاذ فاخر بن عبد القادر، مشفوعة بتقديم الأستاذ وليد بن عكاشة لكتاب "صفاقس المحروسة" للمؤرخ عبد الواحد المكني

عقارب: جلسة ثقافية علمية، تنسيق الأستاذ فاخر بن عبد القادر، مشفوعة بتقديم الأستاذ وليد بن عكاشة لكتاب "صفاقس المحروسة" للمؤرخ عبد الواحد المكني

وسط متابعة الأساتذة ومثقفي الجهة وتحت إشراف كل من المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بصفاقس ودار الثقافة عقارب، انطلقت يوم أمس بقاعة العروض ببلدية عقارب فعاليات تظاهرة عقارب الزمنية تحت شعار “تراثنا موروث حضاري … مورد اقتصادي” التي افتتحت مساء يوم الجمعة 05 ماي 2023 وتتواصل الى يوم 13 ماي 2023.

تضمنت فعاليات اليوم الأول الجمعة 05 ماي 2023، جلسة ثقافية علمية أدارها الأستاذ فاخر بن عبد القادر، أستاذ بالمعهد العالي للغات بقابس “قسم تربية وتعليم” وهو باحث دكتوراه “فنون ووساطة” بالمعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس، متحصل على الشهادة الوطنية لماجستير البحث في الفنون التشكيلية من المعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس وشهادة الماجستير في علم الاجتماع من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس، حيث افتتحت الجلسة مديرة دار الثقافة بكلمة ترحيبية بالضيوف قبل أن تحيل الكلمة الى الأستاذ فاخر بن عبد القادر الذي قدم مداخلة بعنوان “عبد الواحد المكني…كاتبا ومثقفا” تعرض فيها الى حياة الكاتب عبد الواحد المكني المهنية كأستاذ جامعي ومؤرخ يدرس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس، وهو يشغل حاليا خطة رئيس جامعة صفاقس، معرجا على انتاجاته العلمية والثقافية وغزارة انتاجاته الفكرية على غرار “صفاقس المحروسة : رحلة الذاكرة والتاريخ” وكتاب “الأسود والأبيض، توارخ وتآريخ”(1) و كتاب “زمان الألوان، توارخ وتآريخ” (2)، مبرزا الدور الاستراتيجي للمثقف في علاقة بالتشابك الاجتماعي والانخراط في الشأن العام، وفي الدفاع عن قضايا الناس عبر تقديم الأفكار والحلول المختلفة، محاولا تعريف ما يسمَّى ب “المثقف العضوي”، أي المدافع و المرتبط ارتباطا وثيقا بالشأن العام، معتبرا في مداخلته أن المثقف الجامع هو رأس الحربة في تحقيق التغيير وفي قيادة المجتمع نحو الأفضل. كما ذكر بموقف “جون بول سارتر” وهو موقف شهير في علاقة بالالتزام المضمن في كتابة الشهير الصادر في أربعينات القرن الماضي “المثقف الملتزم”، الذي بين دور المثقف في قيادة أهم التغييرات الاجتماعية وحتى السياسية، معتبرا أن المثقف هو تعبيره حقيقية لروح المجتمع وعما يحب أن يكون عليه المجتمع، مثمنا دور المؤرخ عبد الواحد المكني باعتباره نموذجا يحتذي به في الجامعة التونسية.

ليحيل الكلمة الى المؤرخ عبد الواحد المكني الذي قدم مداخلة بعنوان “مقاربة أولية حول تاريخ عقارب”

الذي اختار أن تكون حول مسألة “الذاكرة المحلية” التي اشتغل عليها في أغلب كتاباته، معرجا على أسطورة التأسيس الأولى لقبيلة العقاربة والدور الاجتماعي والاقتصادي للولي الصالح صيد عقارب والأساطير التي نسجت حوله، باعتباره حامي المنطقة من الاغارة الخارجية الى العلاقة بين السكان المحليين وصيد عقارب، مبرزا أهم التوصيفات الجماعية للعقاربة التي التصقت بالولي الصالح وأهمها توصيفهم له “بمنجي الهارب”، وما تحمله هذه العبارة في الذاكرة الجماعية للسكان المحليين، كما تطرق الى أهمية دور الماء في بروز النواة الحضارية و استقرار العروش بالمنطقة محاولا تحديد مجال قبيلة العقاربة وطبيعة علاقاتها بمحيطها المباشر والبعيد، ثم تطرق الى الدور الإيجابي الذي لعبته هذه القبيلة عند التحاقها بالمقاومة الشعبية للاستعمار الفرنسي سنة 1881، لينتهي الى الحديث عن الدور التاريخي، الاجتماعي، الروحاني وحتي الاقتصادي لزاوية صيد عقارب، مبينا انعكاسات انشاء المعاهد والمدارس بالمنطقة على تكوين النخب المحلية بمعتمدية عقارب.

بعد ذلك تم احالة الكلمة الى السيد وليد بن عكاشة وهو يشغل حاليا خطة أستاذ تاريخ بكلية لآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس، متحصل على الأستاذية في التاريخ من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة وشهادة التعمق في البحث (DEA) والدكتوراه في علوم الاثار والتاريخ القديم جامعة I Aix-Marseille بفرنسا، ثم شهادة التأهيل الجامعي من جامعة صفاقس، حيث قام بتقديم كتاب “صفاقس المحروسة: رحلة الذاكرة والتاريخ” ليأخذنا في رحلة انطلاقا من السيرة الذاتية للكاتب عبد الواحد المكني مبرزا أهم مؤلفاته العلمية والفكرية، مراوحا بالقراءة والتحليل بين مناهج و محاور ومضامين الكتاب.

وقبل التطرق الى أهم إشكاليات الكتاب، حاول مؤرخ بلاد المغرب خلال العهد القديم وليد بن عكاشة تبيان الأسس النظرية وخاصة المنهجية للدراسة التاريخية لمؤرخ تونس وصفاقس المعاصرة الأستاذ عبد الواحد المكني، فما يلفت الانتباه هو تنوع المصادر المستعملة والمحاولة الدائمة لتدقيقها بحثا عن الموضوعية خاصة فيما يخص تاريخ الزعماء والشخصيات الوطنية والثقافية، ففي غياب الأرشيفات المكتوبة يلجأ المؤرخ المكني الى الذاكرة والشهادات الشفوية، لكن مع ضرورة مقارعتها ومقابلتها للوصول الى جزء من الحقيقة. وبالتوازي مع التاريخ المحلي، الذي هو حسب كتابات المؤرخ المكني الجسر الحقيقي لقراءة التاريخ الوطني، كانت هناك محاولة لدراسة تاريخ الأفراد أو ما يسمي بالبيوغرافيا التاريخية، وأبرز وليد بن عكاشة هنا اعجابه الشخصي بالمنهج المتبع من طرف الأستاذ المكني الذي تحرر حسب تعبيره مما يسمي “بالتاريخانية” التي تفسر الظواهر بالظرفية التاريخية، الاقتصادية والاجتماعية البحتة، وهو ما ينفي في نفس الوقت القيمة الذاتية للتفكير ولبعض السلوكيات الاجتماعية وأحيانا استقلاليتها وحقائقها الكامنة. بعد التعرض بعجالة الى أسباب اختيار الكاتب “صفاقس المحروسة” عنوانا لمؤلف عبد الواحد المكني (السور أساسا، لكن أيضا صمود الأهالي والأولياء الصالحين والعلماء بصفاقس)، حاول الدكتور بن عكاشة التركيز على أهم الجوانب التاريخية في الكتاب ابتداء من أسطورة التأسيس مرورا بملحمة المقاومة بين 27 جوان و17 جويلية 1881، مشيرا هنا الى القراءة الخاصة للمؤرخ المكني لهذه المقاومة والذي حاول الإجابة عن سؤال لماذا قاومت صفاقس واستسلمت بقية المدن؟ ثم تناول عدة مسائل مهمة عن التاريخ الاقتصادي والاجتماعي لصفاقس، من بينها تاريخ الأوقاف، أنواعها، دورها الاقتصادي والاجتماعي، تاريخ التحبيس، الخاصية العقارية لجهة صفاقس أو ما يسمي بأراضي “السيالين” (من أصول التسمية الى تاريخ عائلة السيالة ومجال هذه الأراضي، وصولا الى بيلكتها أو تتريكها).

بعد التطرق الى مكانة البحر في تاريخ صفاقس وأهمية المتاجرة مع المشرق وصراعات ومعارك البحر، عرج مقدم الكتاب السيد وليد بن عكاشة الى ظاهرة ملكية البحر بصفاقس وقرقنة، مبينا ابداع المكني في تناول هذه المسألة ذات المسار التاريخي الطويل. ثم تناول مسألتين هامتين في مؤلف المؤرخ المكني: التحولات الاقتصادية والاجتماعية بصفاقس (ذكَّر هنا بأهم التحولات الإدارية خاصة منها تأسيس المجلس البلدي سنة 1884)، الأوضاع الثقافية (ارتباط صفاقس بالشرق قبل الحماية، جذور الحركة الصحفية ورموزها) والفنية (خاصة سياقات ظهور المبدع محمد الجموسي) والرياضية (دور الطوائف الإيطالية والفرنسية في نشر الأنشطة الرياضية وسياق تأسيس جمعية النادي التونسي بصفاقس التي أصبحت تسمي فيما بعد بالنادي الرياضي الصفاقسي) خلال الفترة الاستعمارية 1881- 1956.

وقبل أن ينهي مداخلته، أشار بن عكاشة الى أهمية الدراسة التي قدمها الكاتب عبد الواحد المكني حول الدور النضالي للهادي شاكر ثم سياقات وتداعيات اغتياله والأطراف المتورطة فيها.

في خاتمة تقديمه أكد السيد وليد بن عكاشة، الذي تحول من خلال هذه المداخلة من مؤرخ لبلاد المغرب في العهد القديم الى محلل لكتابات واشكاليات تونس وصفاقس المعاصرة، على أهمية هذا الكتاب من الناحية العلمية، الفكرية والمنهجية وطبعا التاريخية بالنسبة للطلبة والباحثين وحتى للمولعين بالتاريخ.

فاخر بن عبد القادر

قد يعجبك ايضا