ذكريات شاطئ فرحات حشاد بصفاقس

عائلات تتمتع ببحر صفاقس في الخمسينات
عائلات تتمتع ببحر صفاقس في الخمسينات

بمبادرة من جمعية بيت الخبرة اتفق لفيف من الإخوان المنتمين إليها ولمحبيها السباحة في بحر صفاقس العتيق لتحسيس أهل صفاقس للإقبال على شواطئ المدينة والسباحة في بحرها… بلغنا الشاطئ ولم نكن لنهتدي إليه لولا حارس مؤسسة صناعية دلنا على مكان تواجد الشاطئ وكأننا غرباء… أشار علينا بمواصلة الطريق رغم تواجد علامة إرشاد تمنعنا من الدخول. وكيف لنا أن نعرف مكان الشاطئ ولم تطؤه أقدامنا منذ أكثر من أربعين سنة.

أمر مؤسف حقا…ألا تعلموا يا سادة أنهم سرقوه منا…أطردونا منه عنوة وبهتانا حفاظا على سلامتنا بعد أن لوثوه وأمعنوا في تلويثه نكاية بنا…فعلوا ذلك باسم الصناعة والازدهار الاقتصادي على حساب البيئة… على حساب بحر أنعم الله علينا به … وصلناه عبر مسلك ريفي غير معبد وقد سبقنا إليه نفر من الصيادين وبعض السباحين …وقفت على الشاطئ لأسترجع بذاكرتي موقع الشواطئ الثلاث وبكل ثقة قلت لمرافقي: هذا شاطئ فرحات نعم هو بعينه أنا متأكد … وقفنا حذو جدار متوسط ارتفاعه تغطي شاطئه حجارة كبيرة الحجم هي نفسها الحجارة التي كانت تغطي شاطئ فرحات …بحر عميق تتلاطم أمواجه وهي خاصية شاطئ فرحات لا يغوص فيه إلا من خبر البحر والسباحة…

بقايا شواطئ صفاقس
بقايا شواطئ صفاقس

عادت بي الذاكرة إلى أيام الستينات والسبعينات أيام العز والمجد والاعتزاز بانتمائك إلى مدينة أغرتنا وأغوتنا بحبها …قلت لمرافقي: هنا …هنا في هذا المكان مقهى فيها أمسيات وسهرات موسيقية …يؤمها الناس من كل الشرائح لينعموا بعشويات رائقة… الدخول بالمجان ولكن ماذا بعد ذلك ؟ معاليم شرب مضروب في10 أو أكثر ولا يقدر عليها إلا أصحاب المداخيل المرتفعة أو من المبذرين من القوم هكذا كنا نعتقد ونحن في سن 15 … تلك المقهى زارها عبد الحليم حافظ في أواخر الستينات وآخرون من المطربين من الشرق والغرب … مازلت أتذكر زيارة العندليب الأسمر للمقهى وكنت شاهدا بالصدفة ومتفرجا من أعلى سورها لأنه لم يسمح لنا بالدخول وقد أكرموا وفادته يومها باستقبال يليق بمقامه وشنفوا آذانه بأغاني طربية صفاقسية وأخرى شعبية… إن هذه المقهى عبارة عن فضاء ترفيهي للغناء والطرب مفتوحة للعموم وهي المتنفس الصيفي الوحيد يقدم فيها الإنتاج الموسيقي مدة الموسم الصيفي تنشطها فرق موسيقية مختلفة وبالتداول… ويمكن أن نقول أنها شبيهة بمسرح صيفي.. ذكريات حلوة والله… تصوروا لو بقيت إلى اليوم… لتطورت وتفرعت وازدهرت أما اليوم…أرى مصطبة صخرية ممتدة داخل البحر وعلى جانبيها رصفت صخور كبيرة الحجم لتحمي المصطبة من التآكل من جراء تلاطم الأمواج …إنها نفس المصطبة القديمة التي كانت تفصل بين شاطئي فرحات والكازينو والفرق إلا أن القديمة كانت إسمنتية يذرعها المستحمون جيئة وذهابا ويتمددون فوقها للتمتع بأشعة الشمس أما اليوم فهي مغطاة بقشرة من الأحجار الصغيرة… كما غاب المغطاس المتدرج le plongeoir…

المغطاس
المغطاس

وصلنا إلى أطرافها فوجدنا مجموعة من الشباب المولعين بالصيد بالصنارة يشبعون هوايتهم في تركيز وصبر … وآخرون يسبحون في مياه البحر الصافي في انشراح رغم الأمواج وعمق البحر ولكنها إشارة واضحة وجلية أن الصفاقسي تصالح مع البحر ويجد فيه متعة لا تضاهيها متعة غابت عنه عشرات السنين رغم غياب الشاطئ فاستراحة السباحين تكون فوق الصخور وهو أمر صعب لا يمكن أن يتحمله كل الناس …

محمد العش 25/8/2013

قد يعجبك ايضا