ذكريات بحر تعليم السباحة ( Plage Natation) بصفاقس

بحر natation
بحر natation

موقعه: يقع هذا البحر في منتصف الطريق المعبدة الموصلة إلى شواطئ البلدية و الكازينو و فرحات حشاد من جهة اليمين وعلى حافته بالضبط ويقع أيضا قبالة مصنع ن ب ك غير المأسوف عليه وقد تمت تهيئة ميناء لهذا المصنع الكارثي في هذا البحر ترسو فيه البواخر من جميع الأحجام لشحن المواد التي يصنعها. وعلى الضفة المقابلة للميناء يوجد مركب رياضي للسباحة يسمى بحر Natation

قديما: هو مركب رياضي للسباحة ولتعليم السباحة صيفا فقط ولكل الأصناف العمرية وللجنسين. ويمكن اعتباره مركبا رياضيا في غياب المسابح في مدينتنا في ذلك الوقت وحتى اليوم لذلك كنت ومازلت أتساءل عن سبب غياب هذا النشاط الرياضي في مدينتنا وعن سر عدم إنجاب الرياضيين السباحين. فالجواب بسيط هو غياب البنية التحتية في هذه الرياضة وكأنها غريبة عنا ونحن غرباء عنها ولا علاقة لنا بالبحر ولا بالسباحة فلتعلموا أيها السادة أن صفاقس بها مسبح وحيد منذ الاستقلال إلى اليوم وهو غير صالح للاستعمال في أغلب الأحيان ألم تكن صفاقس قادرة على إنجاب الأبطال في هذه الرياضة لو وفروا لنا المسابح ؟ فكم عدد المحرومين الذين لم يشبعوا هوايتهم ؟ هم كثر دون شك.

بحر Natation هو بمثابة مسبح مكشوف صمم في هندسة فريدة من نوعها يشتمل بنيانه البسيط والخال من التعقيدات الهندسية على حجرات تغيير الملابس وأدواش وإدارة وبه أيضا قاعة فسيحة واجهتها المطلة على البحر خشبية ونوافذها بلورية وهي قاعة للانتظار بالنسبة للأولياء ولتجميع السباحين لأن السباحة بالتداول ومبرمجة وفق برنامج الحصص مقسمة طوال اليوم بحساب ساعة لكل حصة. يمر السباحون دون غيرهم إلى البحر عبر بوابة محروسة من قبل حارس خاص ليصلوا إلى مدارج خشبية متقنة الصنع مثبتة إلى الجدار السفلي للمركب وفي عمق البحر يجلسون عليها عند بداية كل حصة وكذلك مجعولة للاستراحة من عناء السباحة. أثاثه: أمام المدارج وعلى سطح الماء نصبت مصطبات خشبية بيضاء اللون في ترابطها وتنظيمها تشكل ملعبا لكرة الماء يشتمل على مرميين, هذا الملعب هو الفضاء المحدد الذي ينشط فيه المتعلمون تحت إشراف مدربي السباحة كما وضعت داخله أروقة للتدريب ولتنظيم المسابقات كما يشتمل أثاثه على مغطاس ذي ثلاثة طوابق للتدرب على الغطس.

بحر Natation كما يحلو للصفاقسية تسميته هو بمثابة حوض ماء ساكن هادئ يسمح بتعاطي رياضة السباحة عديم التأثر بعاملي المد والجزر, خطورته تكمن إلا في عمقه رغم أن جل أطفال وشباب صفاقس تعلموا فيه دروسهم الأولى في السباحة بل لعلي أجزم بأن عامل العمق عامل إيجابي شجع المتعلمين على تعلم السباحة في حيز زمني قصير فعمق البحر من تحتهم وصرامة المدرب فوق رؤوسهم فأين المفر؟ كانت المسؤولية كبيرة وجسيمة على عاتق الساهرين على التدريب والحماية فلم نكن نسمع بغرقى في هذا البحر ولم تحدث به حوادث مهما كان نوعها حسب علمي في ذلك الوقت وذلك يعود إلى حسن التنظيم والبرمجة المتقنة والإشراف الجيد. من حسن التدبير على شؤون التربية والتعليم والرياضة البدنية في جهتنا في ذلك الوقت أنهم خصصوا حصصا في السباحة لتلاميذ مدارس المدينة ومعاهدها في هذا المركب وفق برمجة مضبوطة وتؤمن حافلات الشركة الجهوية للنقل السفرات فحصل إقبال منقطع النظير وشغف بتعلم السباحة ويتواصل هذا الإقبال بمثل ذلك الزخم حتى عند العطلة ولا يتوقف التوافد وممارسة هذا النشاط الرياضي على التلاميذ فقط بل شمل الجميع ولمختلف الأعمار دون أي استثناء فالأبواب كانت مفتوحة للكل المهم هو دفع اشتراك شهري يتسلم المشترك بموجبه اشتراكا يحمل صورته ومختلف الإرشادات التي توضح هويته ليتسنى الدخول إلى المركب ويسمح له بالسباحة وأيضا بشرط الانضباط وحسن السلوك وتطبيق القانون الداخلي للمركب بحذافره. وإن أنسى فلن أنسى العم ” بوك أحمد” ذلك الرجل الأسمر الصارم والحازم صاحب الموبيلات الزرقاء الذي لا تفوته لا شاردة ولا واردة يقوم بدور الحراسة والمراقبة في كل وقت وحين كنا نخافه ونهابه لأنه لا يرحم المخالفين ولا يتوانى في طردهم… كما أننا نراه يشرف وبنفس الدور والروح في ملعب الطيب المهيري …هذا الرجل صورته لا تمحي من ذاكرتنا أبدا رحمه وأسكنه فراديس جنانه.

أما اليوم: أطلال بائسة حزينة … وأحمد الله أني وجدت أطلالا شاهدة على صرح عزيز علينا … إنها مدرستنا الأولى التي تعلمنا فيها دروسنا الأولى في السباحة وضروبها … وقفت على حافة البحر من جهة الطريق متأملا مسترجعا ذكريات نقشت في مخيلتي منذ الصغر … وها أنا أراه مغلقا وقد شاخ وتداعت بعض مدارجه… ومن الجهة المقابلة أطلال شركة ن ب ك المتسببة الرئيسية في غلقه وحرماننا من التمتع بشواطئنا فتملكني إحساس بالتفاؤل مشوب ببعض الحذر بعد أن أوصدت أبوابها إلى الأبد والعاقبة لأختها إن شاء الله واحسرتاه عليك يا مدينتي الغالية العامرة كم تعانين.

محمد العش ماي 2013

قد يعجبك ايضا