آخر الرواية .. صفاقس عاصمة للجباية

سور صفاقس - المدينة العتيقة
سور صفاقس – المدينة العتيقة

تسقط ألقابك يا مدينتي يوما بعد يوم رغم حجم المسؤولية الوطنية التي أنيطت بعهدتك منذ ابن الأغلب فأنت الميناء والصيد البحري والصناعات بأنواعها منذ عهد طويل وأنت منارة الحكمة والعلوم على عبر العصور تشاركين في نهضة الوطن الأغر بكل ما أوتيت من جهد و قوة و تهنئين بما تجود به الأيدي لقاء ما تقدمينه من تعب وتضحية في سبيل رفعة العلم الأحمر والأبيض بنجمته وهلاله ولكن من يستمع لك وينصفك ولو لمرة؟
كنت عاصمة المقاومة بلا منازع يوم عجزت جحافل المستعمر ولوج البحر والبر حتى عملت يد الخيانة فكان يوم السادس عشر من جويلية يوما حزينا قدمت فيه ما يناهز التسعمائة شهيد في ساحة المقاومة و رمي بالرصاص من بقي مجروحا او وقع أسيرا لدى قوات الاستعمار و توابعها. قدمت بالامس القريب حشاد البطل و شاكر الهمام فكنت من قلاع الحركة الوطنية الأبية حتى دحر الاستعمار و بقيت العقلية.
كنت عاصمة للجنوب الممتد على ثلثي أرض الخضراء رغم ميحك الى الوسط، وكنت بوابة هامة للأقطار الشقيقة و مرفأ للتمور و الملح والفسفاط غيرها من منتوجات الجنوب. صار الجنوب اليوم مثقل الكاهل من الضيم وقلة التنمية وبقي في ترهات النسيان يعاني نقص الماء و ضعف البنية التحتية. بقي الجنوب جنوبا وبقيت عاصمة آبقة لا الى هؤلاء ولا الى أؤلئك تتيهين بين كبرياء مفتقدة و واقع بيئي مريرو أحلام تتزايد كالطفيليات لا سيما وأنك تمتلئين شبابا ينتظر أن تطلق يديه وسواعده وذهنه للتطوير والعمل.
كنت عاصمة اقتصادية حتى فرغ ميناؤك و قلت عدد الطائرات الراسيات بمطارك الصغير جدا فتجنبتك الاجانب و عافتك السياحة لفقدانك بحرك الجميل بمده وجزره العجيب. كيف لا وقطار شمال-جنوب يرهق راكبيه وقطار غرب-شرق يأتي بأدوات التلويث و كليهما يعطلان امتداد تبرورة الحلم البعيد. أقفلت عدد من مصانعك بعد ان أنهكها التهريب والسوق الموازي و حذا حذوها صناعات تقليدية عديدة بعد ان أضحت المدينة العربي مرتعا للدغماء و أصحاب السوابق.
سعدنا على مضض بتتويجك عاصمة للثقافة العربية لا سيما وقد عانى أهل الجهة التمييز السلبي لعقود ستة ولكنهم استهتروا بهذا اللقب أيضا لما تعطلت اعمال اللجنة الأولى لتحل لجنة ثانية مقرها العاصمة. و طفحالكيل لما بلغ الخبر مسامع أهل المدينة بإمكانية عدم صرف اعتمادات صفاقس عاصمة للثقافة من قبل وزارة المالية فيعلّق هذا اللقب الأخير كغيره من الألقاب.
بحثت في كراسات ودفاتر الدولة الوطنية الحديثة فوجدتها في المقام الاول جبائيا، مخلصة يأتي خراجها في مواعيده. فرحت وهنّأت نفسي وأبناء وطني بأننا ظفرنا بلقب صفاقس عاصمة الجباية. الحمد لله، تعمل هذه الجهة خدمة للوطن الحبيب بأسره رغم التلوث والحرمان من البحر وتشارك في بناء تنمية في كل أنحائه دون ميز ولا حيف بما حباها الله من حسّ حضري و سلم اجتماعي يسير على اقدامه أينما لاقيته. صفاقس لا تعتصم ولا تضرب، صفاقس تعمل فلا تكبلوا سواعدها اذا ما أخذتم خيراتها.

أبو مــــازن / باب نت

قد يعجبك ايضا