القراء يكتبون : جولة بين سوق الاسماك و الانهج في صفاقس : متى يتوقف احتقان المدينة و تسترجع سالف مجدها ؟

سوق الحوت في صفاقس
سوق الحوت في صفاقس

في خضم فعاليات عاصمة الثقافية العربية، تستعد صفاقس ثاني اكبر مدينة في تونس و الفائزة بهذا اللقب الشرفي لاستقبال عدد من الوفود من البلدان العربية و غيرها من المفوضيات و احتضان احتفالات هذه التظاهرة الثقافية.

و يستدعي الحديث عن تونس بصفة عامة في البلدان العربية صورا عن البلاد الخضراء و تعرف في الغرب بروضة الياسمين فتغدو نضارة الخضرة و نقاوة اريج الياسمين رموزا ثقافية تنضاف الى المعالم التاريخية الوطنية. و بالتالي، يجب على كل فرد من المجتمع المحافظة على مقومات هويتنا الحضارية و سمعتنا في الداخل و الخارج.

و من المؤسف ان ألاحظ بعد جولة قصيرة في شوارع صفاقس مدى تشويه هذه الصيت. فسواء كنت زائرا المدينة لأول مرة او عائدا للمرة العاشرة، تعترضك روائح كريهة لا تطاق تنبعث من سوق الاسماك بصفاقس و تشتد هذه الرائحة الخانقة في الانحاء المتاخمة للسوق حتى في يوم الاثنين يوم الراحة الاسبوعية. و ما يستدعي الحيرة و الاستعجاب، ان هذه الظاهرة لم تستوقف اي مسؤول من جملة العديد من الممثلين المحلين للمدينة و لم تدفعهم الى التحرك ضد حالة التلوث المشينة في ثاني اكبر مدينة في البلاد. من الجلي، انه يجب ان تعزز ارادة الافراد مجهودات المجموعة و تتكاتف جل الاطياف لتطهير محيط سوق الاسماك و تنقية هواء صفاقس بوسط المدينة و ازقة المدينة العتيقةو اعادة نضارة عاصمة الجنوب من خلال حملات نظافة معممة و مبادرات مكثفة للتشجير و زرع الازهار.

كما لا يجب تناسي دور السلطات المحلية كالبلديات التي يتعين عليها تعزيز انشطها قبل موعد احتفالات صفاقس عاصمة الثقافية العربية 2016 و الاسراع في تنظيف الشوارع لتغدو مثالا حيا عن بيوت المدينة التي لطالما اشتهر اهاليها بمدى حرصهم على النظام و النظافة. اذ ان تطهير المدينة و الحفاظ على نضارتها واجب على عاتق كل مسؤول او عامل في البلدية؛ لذا وجب على الولاية و البلدية استيعاب ثقلهم في هذه المبادرة و اهمية دعم صفاقس كعاصمة للثقافة العربية من خلال احياء الوانها السالفة و استعادة اريجها العبق.

و كأن افة الفضلات المتراكمة لم تكن كافية، تشكو صفاقس من داء عضال يهدد هو الاخر جل المناطق الحضرية بالبلاد ألا و هو الاكتظاظ الخانق. اذ ضاقت ارصفة صفاقس و تساوت ابعادها المحدودة بكل الشوارع بدءا بوسط المدينة و انتهاء بطريق تونس كلم 10. و ترجع هذه الظاهرة حتما للرؤية المحدودة التي انتهجها مهندسو الطرقات خلال العقود المنصرمة و التي لم تتطور الى اليوم.

و ما زاد الطين بلة، ان البلدية عمدت بدون تعقل او روية الى غراسة اشجار في منتصف ارصفة لا يتعدى عرضها المتر الواحد فباتت محاولة المشي على الرصيف مهمة شبه مستحيلة (انظر الصورة). و في هذا السياق، و خلال نزهة على القدمين في شوارع مدينة صفاقس مع زميلة امريكية في زيارتها الاولى الى تونس، حز في نفسي ان تستنكر هذه السيدة في ذهول محدودية الفكر.

و ضيق الافق المتجلي في تلاشي الارصفة. و بالفعل، ما الذي يمكن فهمه حيال طرقات اضحت زقاقا يزدحم بالحواجز سوى ان اللامبالاة و ضيق الفكر يسيطران على بنية المدينة. فكيف امكن التغاضي عن خرق ابسط ضوابط التنظيم و معايير التخطيط الحضري؟ كيف لا تنتهي حال المدينة الى الاختناق و المواطن لم يعد في وسعه المشي على الارصفة؟
الى جانب مشكل الازدحام الخانق، تبقى الاوساخ معضلة المدينة؛ فإذا لم تتواجد على الرصيف حواجز او نباتات تعيق سير المترجلين، فستتواجد حتما اكوام من النفايات او فضلات اشغال البناء مثلا ملقاة في سبيل المشاة. و الغريب ان فوضى النفايات تعممت و طالت حتى مبنى الولاية الجميل الذي يعود نمطه المعماري الى حقبة الاستعمار. و في ظل هذه الظروف المشينة، وجب التساؤل كيف و لماذا يتغاضى والي صفاقس عن تراكم الاوساخ و التفاف التلوث بمكان عمله خاصة و بقية ارجاء المدينة عموما؟

و من المحزن ان المشاكل التي تعاني منها المدينة لا تتوقف فقط عند هذا التلوث المنتشر و اللامبالاة و الفوضى العارمة، اذ تتوالى المعضلات و تتفاقم مع الوقت عديد المظاهر السلبية من ابرزها التسول في الشارع و انحراف الشباب و الركن العشوائي للسيارات و البيع الفوضوي و عدم احترام اشارات المرور و تفاقم البناء الفوضوي و عدم احكام التنظيم الحضري و غياب التناسق في المعمار و قلة مواقف السيارات في محيط المحلات التجارية و الاسواق بالجملة، الخ…
و امام تفاقم التهميش و الفوضى، وجب التوقف و التساؤل الى متى هذه اللامبالاة و هذا التغاضي عن الافات التي تنهش جمال المدينة؟ الم يحن الوقت الى انعاش صفاقس و منحها المكانة التي تستحقها كعاصمة للثقافة العربية و المتوسطية ايضا من خلال تطوير بنيتها التحتية و توسيع طرقاتها و تشجير شوارعها و اعادة تنظيم ارصفتها و الفضاءات العمومية و الحفاظ على نظافتها!

هل يمكن ان تستعيد صفاقس نضارتها و مظاهر التحضر السالفة في اطار تتويجها عاصمة للثقافة العربية؟ سيتوقف تحقق هذا الرؤية على تكاتف جميع الاطياف المحلية الفاعلة كالوالي و رؤساء البلدية و السلطات المحلية و مكونات المجتمع المدني على وجه الخصوص. و لكن لتحقيق هذه الاهداف السامية وجب التحرك اليوم و في الحال !

و لئن صح القول بان حكومات بن علي المتواترة ساهمت في تهميش مدينة صفاقس؛ فان الانسياق وراء نفس الاخطاء و الممارسات المنبوذة و سوء الحوكمة سيواصل تكريس سياسته المهمشة و الفاسدة و يؤول حتما الى انطفاء مدينة صفاقس و تلاشيها.

د. ماهر بهلول

نبذة عن الكاتب الدكتور بهلول متحصّل على شهادة الدكتوراه في علم اللغة من جامعة كورنيل بنيويورك في الولايات المتحدة الأمريكيةودرجة الماجستير من جامعة السوربون من باريس (3) بفرنسا. قام خلال سيرته المهنية بتدريسعدد كبير من برامج الدراسات العليا و مقرّرات مرحلة الدرجة الجامعية الأولى بالولايات المتحدة الأمريكيةو شمال أفريقيا والشرق الأوسط. حاليا، يعمل د. بهلول بصفته أستاذا مشاركا متخصّص فياللغة الإنجليزية و اللّسانيّات في الجامعة الأميركية بالشارقة ﴿الإمارات العربية المتحدة﴾ حيثيقوم بتدريس مقرّرات اللّغة الأنجليزيّةو اللّغة الأنجليزية لغير الناطقين بها (TESOL) .

الدكتور ماهر بهلول
الدكتور ماهر بهلول
قد يعجبك ايضا