رسالة مفتوحة لرئيس الجمهورية التونسية القادم : بقلم د. محمد الناصر بن عرب

قيس سعيد رئيس الجمهورية التونسية

بعد مقاومة الحركة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي استمرت سبعين سنة، استقلت تونس وأسسنا الجمهورية التونسية لأن يكتسب المواطن التونسي سيادته من جديد. في البداية غمر الحماس قادة الدولة التونسية وتحققت إنجازات عديدة للرقي والتقدم. لكن شيئا فشيئا تراجع الحماس ولم تتواصل الإنجازات المنشودة لتحقيق التنمية المستدامة والكرامة والحرية. تفاقم الاضطهاد على كل معارض ضد النظام وتدنى مستوى التعليم. واشتدت البطالة وغابت العدالة الاجتماعية وتفاقم الفساد داخل النظام الحاكم وتكاثرت التجاوزات والانتهاكات لحقوق المواطن. منعت تعددية الأحزاب وحرية الصحافة وأنشطة المجتمع المدني…

واندلعت ثورة 14 يناير/ جانفي 2014، فرأينا بصيصا من النور للخروج من الظلمات وقلنا إننا انتصرنا على الاستبداد والاستغلال والظلم والرجعية. وسوف نوفر للشعب التعليم والصحة العمومية والعدالة الاجتماعية والتشغيل والتنمية والاستثمار والاستقلال للتخلص من التبعية. لكن شاع الانفلات وانتشرت الهمجية وانخفض الأمان وتراجعت السلامة وتكاثرت العصابات الاجرامية وأتانا الإرهاب ووقع الخلط بين الحرية الفردية وعلاقتها بحرية الآخرين. هاجر الأطباء والمهندسون وآخرون إلى أوروبا والكندا… بحثا عن الشغل وتحسين أوضاعهم المهنية والمادية. واشتدت أحلام الشباب لإيجاد أرض جديدة لتحقيق حياة كريمة فغامروا أبنائنا بحياتهم وهاجروا بصفة غير شرعية ولاقوا حتفهم غرقا في البحر الأبيض المتوسط… واستمرت وكثرت الرشوة من القاعدة إلى القمة ولم تجد الدولة الحلول الناجعة للحد من البطالة والتنمية المستدامة وتكاثر النزوح الريفي وغمر المدينة. وتواصل التوسع الحضري واشتدت المضاربة وارتفعت الأسعار العقارية فأقصت فئات اجتماعية على حساب فئات أخرى وأحدثت مشاكل اجتماعية متعددة كعدم قدرة الشباب على الزواج نظرا لارتفاع أسعار السكن وتدهور الأوضاع السكنية وانتشار البناء العشوائي وغير القانوني مما يؤدي إلى حدوث الفقاعة العقارية. وتخلت الدولة عن الأرض والفلاحة والفلاحين وزحف التصحر والانجراف وتآكلت الأراضي الفلاحية في عديد أقاليم الجمهورية. وعمت حفنة من الناس على ثروات البلاد فتفاقم الفقر وكثرت البطالة والانتصاب الفوضوي وبيع السلع المهربة. ولم تحترم الدولة بما ينصه الدستور في شأن اللغة العربية الرسمية ورعايتها وفرض التدريس بواسطتها، فأصبح الشباب عامة لا يحسن لا اللغة العربية ولا اللغة الفرنسية وغمرت صفحات شبكات التواصل الاجتماعي كتابة اللهجة الدارجة العربية بمزيج من الكلمات الفرنسية بالأحرف اللاتينية. وتلاشت الهوية وانكسرت أصولها، فأصبحت نسبة لا بأس بها من الشباب لا تدري من هي بالذات. تراجع الوازع الديني والأخلاقي عند الشباب وانحدر مستوى اللغة العربية انحدارا عظيما وكثر الانجذاب إلى السلوك الغربي. وسمحت الدولة بفتح مدارس في البلاد التونسية، تابعة لبلدان أجنبية تدرس لأطفال شعبنا بواسطة لغاتها الخاصة انطلاقا من الروضة والمدرسة الابتدائية إلى غاية المدرسة الثانوية، تخول لأوائل هذه المدارس الهجرة ومواصلة تعليمهم في تلك البلدان واستقرارهم فيها…

هذه هي حالنا اليوم تقريبا، وما نصبو إليه ونراه صالحا لأهلنا وذوينا ووطننا نقوله لرئيس الجمهورية القادم ودوناه على النحو التالي:

ماذا نريد؟

نريد رئيسا لكل شرائح الشعب التونسي. يجمع شملها مهما اختلفت آرائها، دون أي انحياز لحزب أو آخر. تلتف حوله نخبة من الكفاءات والمستشارين الممتازة لتشخيص ما حل ببلادنا من تدهور وانحلال وانفلات وفوضى وتراجع في التنمية والتشغيل وتدني محتوى برامج التربية والتعليم وانتشار الفساد وغياب مكارم الأخلاق وإيجاد الحلول الناجعة لكل هذه المسائل.

نريد رئيسا يعير اهتماما خاصا بقطاع التربية والتعليم والجيش والأمن والصحة العمومية ويتعهد برفع الأجور لأعوان هذه المصالح. يكون المعلم حجر لأساس لانتشار العلم والمعرفة وتعزيز الهوية، والممرضة والطبيب ضمان للصحة للكد والجد والعمل وغرس المعاني الإنسانية بين أفراد المجتمع، وأعوان الجيش والأمن حراس السلم والسلامة، يقاومون الفوضى والظلم والإجرام ويدافعون عن الوطن. وتصبح أعوان الشرطة لا تقوم على الترهيب وإنما هي أداة لمساعدة المواطنين ضد أي اعتداء شخصي أو أيّ أذى كان، تفرض الطمأنينة والأمان لصالح الجميع.

نريد رئيسا يعيد النظر في برامج التربية والتعليم، يستوعب تجارب التعليم الماضي التي أنجبت عباقرة مثل عبد الرحمان بن خلدون كما يستوعب وينظر في تجارب البلدان الاسكندينافية الذي يشهد العالم على امتيازها. يعيد إدراج التكوين المهني والمهارات اليدوية والرياضة في التعليم منذ الصغر. ويتكفل بإعادة تأهيل الجامعة الزيتونية، ذاكرة الشعب التونسي على غرار الجامعات الدولية كجامعة السوربون أو هارفارد أو الأزهر أو القرويين…يطبق ما جاء به الدستور في شأن اللغة العربية، اللغة الرسمية لبلادنا، يقوم بإعلائها وإعطائها المقام الّذي تستحقّه وفرض التدريس بواسطتها واستخدامها في كل الميادين. يسهر على دعم البحث العلمي والترجمة. يشجع كل الطموحات لتحقيق انتاج وطنيّ مستقلّ يشمل الصّناعات المتعددة والهندسة والصّحة العمومية والطّبّ والصّيدلة وتكنولوجيا المعلومات والاتصال والتقنيات المختلفة. يحقق الاكتفاء الذاتي في الطاقة في بلادنا ويشرف شخصيا على هيئة خاصة تسهر على توفير الطاقات الطبيعية لشعبنا للمحافظة على البيئة والمحيط. ويعمل على توفير المخابر والتجهيزات اللازمة في الجامعات ويعزّز كل الأعمال الجامعية التي ترتقي بتونس إلى المستوى الرفيع حتى يصبح البحث العلمي بتونس بحثا مستقلا لصالح الانسان والبشرية جمعاء.

نريد رئيسا يسهر على حصانة حقوق المرأة الموثقة في الدستور في بلادنا، يعزز ارتقائها ومكانتها ضمن صدر التنمية وأخذ القرار. يلتزم بمحو البطالة في صفوف الشّباب والنّساء الشّغالين الّذين ليس لهم تخصّصا مهنيّا ومقاومة مبالغة الشّركات في التّشغيل ذات العقود القصيرة وترحيل العمال دون اعتبار القانون ويتصدى لعدم احترام تعادل المرتبات بين النساء والرجال.

نريد رئيسا يسعى إلى تنمية الفلاحة ويعيرها اهتماما خاصا حتى تكون القطب التنموي الأول في تونس من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب. يتعهد لغرس مليون شجرة كل سنة في أراضيها ويأمر العائلات بزرع شجرة كل سنة لكل فرد من أفرادها ويأمر بتوزيع أراضي الدولة القاحلة على الفلاحين لاستثمارها بمساعدة مهندسي الفلاحة والبحث الزراعي والفلاحي كما يعمل على تشجيع الاكتفاء الغذائي للبلاد.

نريد رئيسا يسهر على حماية التراث المشترك المادي واللامادي الافريقي والأمازيغي واللوبي والفينيقي والروماني والعربي والعثماني في بلادنا علاوة على التراث المشترك الإنساني، يتكفل المعلمون والأساتذة بتدريسها لشبابنا منذ الصغر. ويعمل على حفاظ المعالم والآثار والمعمار لتأكيد استمرارية المسيرة الثقافية والتواصل ما بين الماضي والحاضر والمستقبل وتأسيس متاحفا في كل أقاليم الجمهورية التونسية. يساهم في اكتساب أحلام الإنسان التونسي من جديد ويساعده على تحقيق طموحاته بتعزيز هويته وذاته والافتخار بأصوله. ويرفع من شأن المواطنين ويساعدهم على ممارسة المواطنة لحب الوطن والأمة.

نريد رئيسا يرفض تدخل المنظمات الأممية في إنجاز برامج التربية والتعليم في بلادنا. ويقوم بإعادة النظر في الاتفاقيات والمعاهدات بين تونس والبلدان الأجنبية المعنية بالأمر وتسويتها للمصلحة المشتركة.

نريد رئيسا يعمل على حماية الشيخوخة في بلادنا يساعد المسنّين المتمتّعين بصحّة جيّدة على مواصلة توظيفهم في تكوين الشباب في كلّ الاختصاصات. ويسهر على تخصّص الأطبّاء أكثر في أمراض الشيخوخة ويدعم المستوصفات والمستشفيات المتخصّصة لعلاجهم. تضع كلّ البلديات حافلات خاصّة لتنقلهم مجّانا في المدن والقرى وتخصّص لهم نواد توفّر لهم التعارف ومكافحة العزلة.

نريد رئيسا يسعى لحماية العجّز والمعاقين في بلادنا من جرّاء الأمراض أو حوادث المرور. يخول لهم المعدّات والتسهيلات لمساعدتهم على حياة أهون كما يشجّع كلّ القدرات الطبية والاجتماعية لاندماجهم في المجتمع. يوفر لهم كل الاطارات الطبّية والمهنيّة لرعايتهم ويخصّص لهم المسالك والوسائل المناسبة لتنقلهم في المدن والقرى.

نريد رئيسا يعيد النظر في الأوقاف ضمن وزارة الشؤون الدينيّة تتولّى الدعوة للوقف والمحافظة على أمواله وإدارته واستثماره وصرف ريعه على وجوه البرّ التي أوقفت من أجلها وجعله يقوم بالدور الأساسيّ الذي ابتغاه له المحسنون سواء في الميدان الدينيّ أو الثقافيّ أو في الحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة ويكون دور المجتمع المدني دورا هاماّ في توطيد الديمقراطية يضمن إلغاء القوانين القمعية ويقوم بفضح الرشوة والفساد ويضمن تمثيلا عادلا للجماعات والمصالح والأفكار ويضع الحكومة أمام مسئولياتها ليستمرّ احترام أسس الديمقراطيّة.

نريد رئيسا يتعهد أن تشمل السياحة كل المدن والقرى بالجمهورية التونسية. يقع التركيز على المدن والقرى الداخلية وربطها بالمدن والقرى الساحلية لمقاومة البطالة والعزلة عن باقي أنحاء الجمهورية. يعمل على اكتساب الحرف المهنيّة والمهارات اليدويّة من جديد ويتمّ التكوين المهني والفنّي تحت إشراف المعلمين ذوي الخبرة الممتازة بالتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة.

نريد رئيسا يشرع في تطبيق الاتفاقيات والمعاهدات الجامعية والتجارية والصناعية والاقتصادية والمهنية السابقة التي تمت بين دول المغرب العربي لتحقيق الاتحاد المغاربي تمهيدا للاتحاد مع دول المشرق العربي وإرساء اقتصاد متكامل يخوّل لكلّ المواطنين التّنقل والإقامة والاستثمار الحرّ بدون قيد ولا شرط. ويسعى لإنشاء مصرف مغاربي لصدّ الأزمة الاقتصادية وتشجيع الاستثمار في بلدان المغرب العربي الكبير.

نريد رئيسا يقوم بدعم البحث العلمي لتنمية التّقنيات الجديدة والاقتصاد الرّقمي المحرّك الجوهري لنموّ جديد، يشمل كامل الجمهورية بالشّراكة مع القطاع الصّناعي والمجموعات المحليّة.

نريد رئيسا يسهر على محو البطالة في صفوف الشّباب والنّساء الشّغالين الّذين ليس لهم تخصّصا مهنيّا ومقاومة مبالغة الشّركات في التّشغيل ذات العقود القصيرة وترحيل العمال دون اعتبار القانون ويتصدى لعدم احترام تعادل المرتبات بين النساء والرجال.

نريد رئيسا يلتزم باحترام كلّ المعاهدات والمنظّمات الدوليّة التي حصلت بين تونس والدول الشّقيقة والصّديقة كما يلتزم بالدفاع على حقوق كلّ الشعوب المضطهدة بمكافحة الاستغلال والاستبداد والاستعمار ويأمر بإلغاء كلّ معاهدة أو عقد دوليّ يمسّ بحقوق الشعب التونسيّ.

فنحن متفائلون وهذه آمالنا.

بقلم د. محمد الناصر بن عرب

قد يعجبك ايضا