تكنولوجيات الصحة بصفاقس : الاختصاص الذكي للجهة
تحظى مسألة إعادة النظر في نموذج التنمية المعتمد ببلادنا باهتمام كبير منذ عدة سنوات، خصوصا بعد الثورة وصياغة دستور جديد سنة 2014 مكن من تحولات عميقة في المشهد المؤسساتي المتعلق بالتنمية الجهوية والمحلية (المجالس الجهوية والمحلية المنتخبة) من شأنها أن تمنح للجهات إمكانيات كبيرة لبلورة نماذج تنموية تتماشى مع خصوصياتها المحلية وتثمن ميزاتها التفاضلية وتستجيب لتطلعاتها المستقبلية.
ويمكن في هذا الإطار اعتماد “استراتيجية التخصص الذكي” أو S3 / استراتيجية التخصص الذكي وهي منهج يتمثل في تشجيع نشر أنشطة الابتكار في جهة معينة وخلق تآزر جديد بين الجهات الفاعلة في المنطقة ومناطق أخرى.
ويعد التخصص الذكي اليوم خطوة مهمة في سياسة الإتحاد الأوروبية للانخراط في مجال الابتكار، وتدعو الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى تطبيقه للحصول على التمويل.
تم تقديم هذا النهج 3S في تونس وللمرة الأولى في إفريقيا والعالم العربي من قبل الوكالة الوطنية للنهوض بالبحث العلمي (ANPR) بدعم من الاتحاد الأوروبي يومي 17 و 18 ماي 2016 في الحمامات خلال ندوة رفيعة المستوى جمعت أفضل الخبراء الأوروبيين في S3، الأكاديميين، وحوالي مائة من صانعي القرار رفيعي المستوى بالإضافة إلى ممثلين عن المجتمع المدني.
وقامت جمعية بيت الخبرة بصفاقس منذ سنة 2014 بتنظيم سلسلة من اللقاءات والندوات والورشات للتفكير حول منوال التنمية بالجهة أثمرت بعد سنتين إلى اختيار وتثبيت “تقنيات الصحة” كقطاع يمكن أن تركز عليه الجهة باعتبار:
• التوصيات التي وضعتها استراتيجية التنمية الكبرى في صفاقس 2016
• الاستراتيجية الوطنية للصحة الرقمية سنة 2018 حيث اعتبرت أن الصحة الإلكترونية هو قطاع ذا أولوية
• الدراسة التي قامت بإعدادها بلدية صفاقس الكبرى حول إحداث مجمع الصحة والتكنولوجيا (2008-2010)
• وجود نسيج تكنولوجي وصحي متطور إلى حد ما في الجهة
• طموح انتقال الاقتصاد الجهوي نحوقطاعات واعدة ذات قيمة مضافة عالية وقادرة على الاحتفاظ بموارد البشرية والكفاءات بالجهة.
• إنشاء كتلة SFAX HEALTH TECH سنة 2017 الذي قام بتنظيم العديد من الأنشطة والفعاليات حول التقنيات الصحية.
وجاء برنامج IRADA لمساعدة الجهة في تكريس هذا الخيار التنموي المرتكز على دعم قطاع “تكنولوجيات الصحة”. وهو برنامج لدعم التنمية الاقتصادية المستدامة بتمويل من الاتحاد الأوروبي ويتبنى منهجا جديدا متكاملا في إطار اللامركزية بفسح المجال للفاعلين الجهويين للمبادرة والتخطيط والإصلاح وتمكينهم من الموارد المالية والفنية لتنفيذ المشاريع ذات الأولوية بالجهة.
ويهدف البرنامج بصفة عامة إلى “المساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة وتحسين تشغيلية طالبي الشغل”. وتشرف على تنفيذه وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي ووزارة التشغيل والتكوين المهني. ويتلخص دعم البرنامج في مرحلة أولى في توفير الخبرة اللازمة وفي مرحلة ثانية في تمويل بعض المشاريع لدفع هذا القطاع طبقا لمنهجية الاختصاص الذكي حيث انتدب البرنامج خبراء دوليين ووطنيين لمرافقة الجهة في إعداد مخطط عمل لدفع هذا الاختصاص الذكي بقيادة البروفيسور دومينيك فوراي الذي زار صفاقس عديد المرات :
– الخطوة الأولى (أفريل 2019): مكنت من تشخيص المجالات ذي أولوية في قطاع التكنولوجيا الصحية التي تتماشى مع قدرات الجهة على مستوى الموارد البشرية والبنية الأساسية.
– الخطوة الثانية (ديسمبر 2019): كانت المهمة تتمثل في ترجمة هذه الأولوية إلى خارطة طريق للمشاريع أو النشاط التحويلي خلال ورشة عمل جمعت عدة جهات فاعلة.
– المرحلة الثالثة يوم 20 فيفري 2020 تم خلالها تقديم خطة عمل لكل نشاط تحويلي أمام المؤسسات المالية. وقد كان حدثا هاما من حيث المقاربة والمشاريع المقترحة وخاصة وجود ممثلي المؤسسات المالية وتقديم آليات التمويل الممكنة.
تغطي تكنولوجيات الصحة مجالًا كبيرًا جدًا، وقد أتاحت منهجية الاختصاص الذكي المطبق على هذا القطاع بفضل برنامج IRADA تشخيص مشاريع النشاط التحويلي أو المشاريع التعاونية المبتكرة، الملائمة لإمكانات الجهة والقادرة على إدماج الكفاءات المتخرجة حديثا في المشهد الاقتصادي لدعم الابتكار وخلق فرص عمل في مجالات جديدة ذات قيمة مضافة عالية.
هي بادرة وبداية لتحقيق اللامركزية الحقيقية حيث تعمل منصة الحوار بين القطاعين العام والخاص بدعم من برنامج IRADA على تنمية الحوار بين مختلف الفاعلين والمتدخلين في الشأن التنموي بالجهة مما يسمح بالنمو الذكي والدامج والمستدام.
الدكتور عبد الجليل قدورة رئيس منصة الحوار قطاع عام-خاص بصفاقس / رئيس جمعية بيت الخبرة